لابد أن يخرج هذا المقدار، وهو الصاع، والصاع أربعة أمداد كما هو معروف، والمد يقدر بأنه ملء الكفين المتوسطتين من البر المعتاد أو من الشعير ونحوه.
ولكن صاعنا المعتاد الذي يجعل عليه علاوة كاف في ذلك، وإن كان أكثر من أربع حفنات، فهذا هو المقدار المجزئ، وقد عرفنا أن معاوية رضي الله عنه أباح لهم أن يخرجوا مدين من البر، وذلك لأنه قدم إلى المدينة ورآهم يخرجون صاعاً من الشعير، ومعلوم أن الشعير قليل القيمة وأن أكثرهم لا يأكله، وأن البر ولو كان قليلاً أنفع لهم، وهو الذي يأكلونه ويقتاتونه، فأرشدهم إلى أن يخرجوا صاعاً من الشعير أو نصف صاع من البر، فقال لهم: إذا أخرجتم نصف صاع من البر فقيمته قيمة الصاع من الشعير، وربما يكون خيراً وأنفع للفقير؛ لأنه يؤكل، وأما الشعير فإنهم لا يأكلونه، فأفتى بأنهم يعدلون إلى نصف الصاع من البر حتى ينفع الفقراء، وهذا اجتهاد منه.
ونحن نقول: إذا عرفت أنك لا تخرج إلا من الشعير والشعير إنما يعطونه الدواب، أو من التمر الرديء ويعطى الدواب فالأفضل أن تعطيهم شيئاً يأكلونه ولو أقل من صاع، ولكن الاختيار لك ألا تنقص من الصاع كما عمل بذلك أبو سعيد -راوي الحديث-، فإنه يقول: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التزم أبو سعيد ألا ينقص من الصاع، سواء من البر أو من الشعير أو من التمر أو من البر أو من الزبيب أو من الأقط، وهذا هو الأولى.
ونقول: الأفضل أن تخرج من الشيء الذي يأكلونه وينتفعون به كالبر والأرز ونحوه، وإذا كنت ولابد مخرجاً من الشعير الذي لا يؤكل فكونك تخرج نصف صاع من البر الذي يؤكل أفضل من كونك تخرج صاعاً من الشعير الذي هو علف للدواب، فهذا هو الأفضل.