للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الطمأنينة]

وفي هذا الحديث الأمر بالطمأنينة، في قوله: (حتى تطمئن راكعاً) والطمأنينة هي الركود وذلك بأن يتمكن ويركد.

وتمام الركوع هو أن تمس يداه ركبتيه، وكماله: أن يلقم كل ركبة يداً، وأن يفرق أصابعه، وأن يمسك ركبتيه إمساكاً قوياً، وأيضاً: أن يمد ظهره ويجعله مستوياً ويجعل رأسه بحياله، فلا يرفعه ولا يخفضه، بل يجعل ظهره مستوياً بحيث لو وضع عليه قدح لركد ولم يمل هاهنا أو هاهنا.

ومقدار الطمأنينة: بقدر ما يقول: سبحان ربي العظيم مرة باطمئنان لا بعجل، هذه حقيقة الطمأنينة المذكورة في هذا الحديث.

إذاً: الطمأنينة: الركود والركون.

أي: حتى تطمئن وتركد وتركن وتقف.

يعني: حتى يتحقق أنك ركنت، وهذا دليل على أن الطمأنينة ركن، وهي التي أنكر على ذلك الرجل الذي أساء صلاته، ولم يحسن أن يأتي بها، فلذلك قال: (فإنك لم تصل) لما لم يأت بهذه الطمأنينة.

وذهب جمهور الأمة إلى أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ولكن روي عن بعض الحنفية أنهم يوجبون الطمأنينة وأنه يجوز عندهم الصلاة بلا طمأنينة، وعليه: فكثير من الذين يدعون أنهم على مذهب أبي حنيفة لا يطمئنون، فلا يصل أحدهم إلى الركوع حتى يرفع، ولا يرفع حتى ينخفض، ولا يسجد ويصل الأرض حتى يرفع، فإذا مست جبهته الأرض رفع بسرعة، وإذا انحنى رفع بسرعة فيترك ركناً أكده النبي صلى الله عليه وسلم، ويدّعون أن أبا حنيفة لم يوجبه.

فيقال لهم: لعل أبا حنيفة لم يفصح بترك ذلك، ثم أيضاً ارجعوا إلى فعل أبي حنيفة رحمه الله فقد كان كثير العبادة، وقد كان كثير الصلاة، وأبو حنيفة الذي تقتدون به وتخففون الصلاة ما اقتديتم به في كل الحالات، فقد كان أبو حنيفة رحمه الله يقوم الليل كله حتى أنه صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة أو قريباً منها، ولا شك أنه يطيل أركان الصلاة، فربما تكون الركعة في نصف ساعة أو نحوها، ولا شك أنه يطمئن فيها، ولم ينقل أيضاً في أفعاله أنه كان يخفف صلاته، فهؤلاء الذي يقتدون به ما اتبعوه حقاً.

يمكن أنه نقلت عنه رواية أن الطمأنية ليست واجبة، ولكن الرواية قد تكون في وقت له مناسبة، فأخذها هؤلاء وقالوا: الطمأنينة ليست ركناً وليست واجبة، حتى نقول لهم: هل حرمها أبو حنيفة؟ وهل كرهها؟ وهل نهى عنها؟ وهل كونه يقول في هذه الرواية: إنها ليست ركناً، يقتضي أنكم تنقرون الصلاة، وتخففونها التخفيف الذي قد يبطلها.

اعتبروا بهذا الحديث الذي قال فيه: (فإنك لم تصلِّ) ، وتذكروا أن نبينا صلى الله عليه وسلم نهى عن التخفيف الزائد وسماه نقراً، ونهى عن نقر كنقر الغراب، ولا شك أن الذي ينقر الصلاة لا يصل إلى الأرض إلا وقد رفع، فيكون شبيهاً بالغراب، ونهى صلى الله عليه وسلم عن النقر في الركوع وفي السجود، فلينتبه المسلم إلى ذلك.