[شرح حديث الأشعث بن قيس:(كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)]
قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [عن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(شاهداك أو يمينه.
قلت: إذاً: يحلف ولا يبالي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان) .
وعن ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملك) ، وفي رواية:(ولعنُ المؤمن كقتله) ، وفي رواية:(من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة) ] .
هذه الأحاديث تتعلق بالأيمان والنذور، فحديث الأشعث فيه هذه القصة والقضية التي حدثت، ومضمونها أنه كان له بئر في حضرموت، فاعتدى عليها حضرمي ومد يده إليها واستولى عليها، فتخاصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، الأشعث يدعي أنها ملكه، والحضرمي يدعي أنها في يده وأنه يتصرف فيها، فـ الأشعث هو الخارج والحضرمي هو الداخل، وهو الذي بيده الأرض والبئر، والقاعدة أن على الداخل اليمين وعلى الخارج البينة، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الأشعث بينة، والبينة شاهدان يشهدان بأن البئر له ولأبيه من قبله، فلم يكن عنده بينة، فلم يكن إلا أن رد النبي صلى الله عليه وسلم على الحضرمي وطلب منه الحلف، فاتهمه الأشعث بأنه لا يبالي، وأنه لا يخاف من مغبة الحلف، وسوف يحلف ويقتطعها ويتملكها.
ولكن قبل أن يحلف وعظهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عاقبة هذا الحلف الكاذب، فذكر أن الذي يحلف على يمين -أي: يحلف؛ لأن الحلف يُسمى يميناً؛ لأنهم كانوا عند التحالف يتقابضون بالأيمان، فلذلك سمي القسم يميناً- هو فيها فاجر، والحالف بالله معظم له وهو مع ذلك كاذب وفاجر في يمينه، وليس له قصد إلا أن يقتطع مال امرئ مسلم بغير حق فإنه يلقى الله تعالى وهو عليه غضبان، ويكتب الله له به غضبه حيث تهاون أولاً باسم الله، وثانياً استعمل الكذب، وثالثاً استحل المال الحرام بغير حق، وذكر أن الله تعالى أنزل في ذلك آية في كتابه في سورة آل عمران:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[آل عمران:٧٧] .
وسبب ذلك أنهم اشتروا بآيات الله وبعهده وبأيمانهم ثمناً قليلاً، والثمن القليل هو عرض الدنيا، فإن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، أي: شيء عارض معترض من عرض الدنيا، فمن حلف يميناً كاذباً وأخذ من الدنيا شيئاً فانياً قليلاً مضمحلاً فقد بذل في ذلك دينه ويمينه وتعظيم ربه وصدقه، كل ذلك بذله، فكان في ذلك خاسراً حيث استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.