أما نوعها فإنها تخرج من هذه الخمسة، والصحيح -أيضاً- أنها تخرج من غيرها، فهذه الخمسة هي البر المعروف، والشعير وهو معروف أيضاً، والتمر وهو معروف، والأقط الذي يعمل من اللبن، والزبيب الذي هو حمل العنب، فهذه الخمسة يصلح أن تكون قوتاً.
فهناك من قوتهم الأقط يأكلونه أو يحرثونه، وهناك من لا يأكلون إلا التمر، وهناك من يأكلون البر، وهناك من لا يجدون إلا الشعير فيأكلونه.
فهذه الخمسة الأقوات كانت هي الغالب على أهل المدينة ومن حولهم لا يخرج قوتهم عن هذه الخمسة، ولكن إذا وجد آخرون يقتاتون غيره فإنهم -على الصحيح- يخرجون من قوت بلدهم، فإذا غلب على أهل البلاد أن قوتهم من الأرز -كما في هذه البلاد- فإنه يخرج من الأرز؛ لأنه قد يكون أنفع للمساكين وأقل تكلفة، وإذا كان أهل البلد لا يقتاتون إلا السلق فإنه يخرج منه، وإذا كانوا لا يقتاتون إلا الذرة فإنها يخرج منها، وإذا اقتاتوا الدخن فإنه يخرج منه، وهكذا أنواع المأكولات، يخرجون مما هو غالب في بلادهم، ومما أكل أهل بلدهم منه.
والحكمة فيه أنه قوت للمساكين، وإذا أخرج من غير القوت لم ينتفعوا به؛ لأنهم لم يعتادوه، فإذا أخرجوا -مثلاً- من الشعير والناس لا يعرفونه ولا يأكلونه علفوه الدواب كما في هذه الأزمنة، أو باعوه بثمن بخس لمن يعلفه الدواب، وإذا أخرجوا من التمر والناس لا يأكلونه كما في هذه الأزمنة فكذلك لن يأكلوه، ولن يجعلوه قوتاً، فنحن نقول: الأولى أن تنظر إلى الشيء الذي يأكلونه، فتعطيهم حتى يأكلوه ولا يبيعوه.
ويقول بعض العلماء: إنه يجوز إخراج القيمة.
وهو مروي عن الحنفية، ولكن الصحيح أنه لا يجوز، بل إنه لابد من إخراج طعام، والقيمة كانت موجودة في العهد النبوي، ولم ينقل أنه أمرهم بأن يخرجوا القيمة، وبأن يعطوهم الثمن، ولو كان الثمن أنفع أحياناً؛ لأنه يصلح أن ينتفعوا به في جميع الأشياء، ولكن ما ورد إلا القوت، فتخرج الصدقة من القوت الذي يؤكل، ولا تخرج من اللباس، ولا تخرج من الأحذية -مثلاً-، ولا تخرج من الدراهم قيمة، بل لابد أن تكون من الأقوات والأطعمة المعتادة، هذا هو الصحيح الذي عليه العمل.