تقدم قوله عليه السلام:(الذهب بالذهب مثلاً بمثل، يداً بيد) إلخ، وقوله:(لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا هاء وهاء) يعني: خذ وأعط، يداً بيد، مثلاً بمثل.
وكذلك الفضة بالفضة، لا تباع إلا مثلاً بمثل يداً بيد؛ وذلك حتى لا يكون فيها تفاوت، فيشترط في المثليات التماثل والتقابض، وفي غيرها التقابض.
وبيع الجنس بجنسه، متساوياً أو متفاضلاً قد يكون قليلاً، ولكن الذي يقع الناس فيه كثيراً هو بيعه بغير جنسه من المكيلات، فلابد فيه من التقابض وإن لم يكن هناك تساوي، فإذا بيع -مثلاً- لحمٌ بلحم فلابد من التقابض، فبيع لحم إبل بلحم غنم يجوز فيه التفاوت، فيجوز رطل غنم برطلين من لحم الإبل، لكن لابد أن يكون يداً بيد، وكذلك المكيلات يجوز بيع صاع بر بصاعين من الشعير أو بصاعين من الأرز؛ وذلك لأنهما جنسان، فيجوز صاع بر بصاعين شعير أو نحوه، أو صاع أرز بصاعين شعير؛ وذلك لأنهما جنسان، ولكن لابد من التقابض قبل التفرق، ولابد أن يكون يداً بيد، وكذلك بقية المكيلات المختلفة.
فمثلاً: قد تحتاج إلى زبيب وليس عندك دراهم، فتشتري الزبيب بالتمر، فتشتري -إذا كان بالكيل- صاع زبيب بصاعين من التمر، أو بالوزن رطل زبيب برطلين من التمر، يجوز ذلك، ولكن بشرط أن يكون يداً بيد، فلابد من التقابض، وهكذا يقال في سائر المبيعات التي هي من الأجناس.
وقد عرفنا أن الذي يدخله الربا ما كان مكيلاً أو موزوناً، وأما الأشياء التي لا توزن عادةً ولا تكال فلا بأس من التفاوت فيها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً للغزو، لعل عددهم كان -مثلاً- ستمائة، وكانت الإبل التي عندهم قدر أربعمائة أو خمسمائة، لا تكفي هذا الجيش الذي يريد الغزو، فقال له صلى الله عليه وسلم:(اشتر على إبل الصدقة) ، وإبل الصدقة قد تأتي بعد نصف سنة أو بعد ثمانية أشهر، فلم يجد بدّاً من أن يشتري من الناس، فصار يشتري البعير بالبعيرين من إبل الصدقة، حتى اشترى ما جهز به بقية ذلك الجيش.
فدل هذا على أنه يجوز أن يشترى البعير بالبعيرين، ولو كان أحدهما غائباً؛ لأن إبل الصدقة غائبة، فعلى هذا يجوز أن تشتري شاة بشاتين سواء كانت حاضرة أو غائبة، وفرساً بفرسين، وكذلك في الأدوات سيارة بسيارتين، وكذلك في الأكسية ثوباً بثوبين حاضراً أو غائباً؛ لا بأس في ذلك كله؛ لأنه ليس مما يدخله الربا.