للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (فأوف بنذرك)]

قال المؤلف رحمه الله: [باب النذر.

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة -وفي رواية: يوماً في المسجد الحرام- فقال: فأوف بنذرك) .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن النذر، وقال: إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) ] .

هذه الأحاديث تتعلق بالنذر، وهو إلزام المكلف نفسه ما لم يجب عليه شرعاً، وتارة يكون بلفظ النذر، كأن يقول: نذرت كذا وكذا.

وتارة يقول: لله علي نذر أن أفعل كذا وكذا.

وأحياناً لا يذكر كلمة النذر، ولكن يقول: علي أن أفعل كذا وكذا.

أو ألزم نفسي بأن علي كذا، أو ما أشبه ذلك.

وقد يكون معلقاً بشرط في المستقبل، كأن يقول -مثلاً-: إن رزقني الله ولداًَ ذكراً فعلي أن أحج ماشياً -مثلاً-، أو أن أتصدق بألف.

وكذلك لو قال: إن شفى الله مريضي فعلي أن أتصدق بكذا، أو أصلي لله كذا وكذا، أو أصوم كذا وكذا.

والآن عندنا مثال لذلك، وهو حديث عمر قال: (إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام.

فقال: أوف بنذرك) ، والظاهر أن عمر نذر نذراً مطلقاً بأن قال: عليّ أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام.

ويمكن أنه نذر نذراً معلقاً بقوله: إن نصر الله نبيه فعلي.

أو: إن فتح الله علينا مكة فعلي أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام أو يوماً في المسجد الحرام.

فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء، وذلك لأنه نذر طاعة، فالاعتكاف طاعة وعبادة فيوفي به من نذره، ودليل وجوب الوفاء بالنذر إذا كان طاعة قوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) ، وفي حديث آخر قال عليه السلام: (لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين) ، فنذر الطاعة مثل نذر الاعتكاف، إذا نذر أن يعتكف يوماً سواءً نذراً مطلقاً كأن يقول: لله علي أن أعتكف في هذا المسجد يوماً، أو لله علي أن أعتكف في المسجد الحرام، أو في المسجد النبوي، أو في المسجد الأقصى يوماً.

أو: كان نذراً معلقاً كأن يقول: إن قدم غائبي.

إن شفي مريضي.

إن ربحت تجارتي.

إن نجح ابني أو نحو ذلك فلله عليّ أن أعتكف في المسجد الحرام أو في هذا المسجد أو نحو ذلك.

فيلزمه الوفاء إذا تحقق الشرط، فإذا وجد ما شرطه من الربح أو الشفاء أو القدوم أو ما أشبهه فيلزمه الوفاء به لهذا الحديث: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، ولقوله لـ عمر: (أوف بنذرك) .