الإنسان ما دام حياً فإن له أن يتصدق بما أرد، فقد ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه أخرج جميع ماله صدقة لله، في حديث عمر قال:(أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فوافق ذلك عندي مالاً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن كنت سابقاً له.
فأتيت بنصف مالي فقال عليه الصلاة والسلام: ما تركت لأهلك؟ فقلت: مثله، وإن أبا بكر أتى بجميع ما عنده فقال له: ما تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم الله ورسوله) ، هكذا في الحياة جاء أبو بكر بجميع ماله الذي عنده، ووثق بأن الله سيرزقه وسيجعل له رزقاً، وجاء عمر بنصف ما كان عنده من المال، وترك النصف ليتمتع به، ويعطي منه أهله، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
وقد ورد الحث على الصدقة في الحياة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمسك حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان) فيرشد إلى أن يخرج الصدقة ويتصدق بها ما دام حياً، وما دام سليماً قوياً، وهذا يدل على أنه أنفقها لله، وابتغاء مرضاة الله؛ ليكون ذلك أجراً له في الآخرة، وهذا يدل على كونه قد وقي شح نفسه {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:٩] .
أما الذي يمسك أمواله، وكأنه سوف يعمر مئات السنين، ثم إذا حضره الموت أخرج أو قال: تصدقوا وأعطوا وأعطوا، فنقول: لا ينفذ من عطاياه في مرض الموت إلا الثلث، وما زاد عن الثلث فإنه لا ينفذ إلا برضا الورثة، أما الثلث فإنه ينفذ ولو لم يرض الورثة، إلا إذا خص به بعض الورثة، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال:(لا وصية لوارث) ، فلا يعطي أحد أولاده في الحياة أو عند الممات أكثر من الثاني بغير مبرر، ولا يعطي لزوجته أو زوجاته ولا لإخوته إذا كانوا وارثين ولا لغيرهم من الورثة، بل يجعل المال على ما قسمه الله عليه، ويجعل الوصية لغير الوارثين.
كذلك أيضاً يجعل الوصية في العمل الصالح الذي يعود عليه بالخير وهو الوقف الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، فالصدقة الجارية هي الوقف الذي يخرجه في حياته ليتصدق منه بعد موته، أو الوصية التي يخرجها في حياته ليصل إليه أجرها بعد موته.