قال جابر: كان صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، وفي حديث أبي برزة أنه كان يصليها حين تدحض الشمس، والهاجرة فسرت بأنها شدة الحر، ولكن ذلك مشروط بما إذا زالت الشمس، أي: بعد الزوال، فالهاجرة هي وسط النهار بعد الزوال، وسميت بذلك لأن الناس حينئذ يكتنون من شدة الحر في البيوت، فكأن بعضهم يهجر بعضاً، ويكتن كل منهم في بيته عند اشتداد الحر.
كان يصلي بالهاجرة: أي إذا زالت الشمس، وكانوا إذا ابتدأ اشتداد الحر يقيلون، يعني: ينامون وسط النهار وقت القيلولة، فيستيقظون قرب الزوال إذا زالت الشمس، ويتوجهون لأداء هذه الصلاة.
في حديث أبي برزة أنه كان يصليها حين تدحض الشمس، والدحض هو الدلوك:{أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}[الإسراء:٧٨] ، فدحضها هو ميلها إلى جهة الغروب، ومعلوم أن الشمس إذا طلعت انتصب لكل شاخص ظلال، ولا يزال ذلك الظلال ينقص ويتقلص إلى أن يتناهى قصره، فإذا تناهى قصره فذلك وقت قيام الشمس ووقوفها، فإذا ابتدأ الظل بالزيادة فذلك وقت دحوضها ووقت الزوال إذا دحضت يعني: زالت، وذلك وقت الظهر.
وقد استثني من ذلك ما إذا كان هناك حر شديد، فقد كان عليه الصلاة والسلام يبرد بالظهر، ويقول:(أبردوا بالظهر) ، وفي الحديث الآخر:(إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم) فكان يأمرهم أن يبردوا؛ وذلك لأن شدة الحر قد تقلق الراحة وقد تشوش على المصلي، وقد لا يقبل على صلاته ولا يحفظ ما يقول فيها، فإذا أبرد وذهبت شدة وقوة الحر صلوها عند ذلك حتى يطمئنوا فيها.
وفي هذه الأزمنة لا يوجد ذلك الحر والحمد لله؛ وذلك لوجود المكيفات والمراوح الكهربائية التي تخفف من شدة الحر، فلا يحس الناس بذلك الحر الشديد المزعج الذي يتصبب منه العرق، والذي تبتل منه الثياب فلا يطمئن المصلي في صلاته؛ فلأجل ذلك لم يروا داعياً إلى الإبراد في شدة الحر، لكن لو كان هناك بلاد ليس فيها هذه المكيفات ونحوها، فإن الإبراد مستحب في حقهم، وما ذاك إلا أن الحكم يدور مع علته، فمتى وجدت العلة وجد الحكم، أما في سائر السنة التي ليس فيها حر فإن وقت الصلاة إذا زالت الشمس، فإذا ابتدأت زيادة الظل في جهة الشرق فذلك وقت الظهر.
يمتد وقت الظهر إلى دخول وقت العصر، ويقدر بأن يزيد حتى يصير ظل كل شيء مثله، ثم يدخل وقت العصر.