من حكمة الله سبحانه أن فرق هذه الصلوات على اليوم والليلة، ولم يجعلها في ساعة واحدة، ولا متوالية في وقت من الأوقات، بل جعلها متفرقة: فبعضها أول الليل كالمغرب والعشاء، وبعضها أول النهار كالفجر، وبعضها وسط النهار كالظهر والعصر.
والحكمة في ذلك: أن يكون العبد دائماً على صلة بالعبادة؛ فلا يبعد عهده بالعبادة، كلما اشتغل بشهواته وبدنياه في وقت من الأوقات، وأحس بشيء من القسوة دخل عليه وقت من هذه الأوقات فقام إلى عبادة من العبادات تصقل قلبه وتجلو همه وغمه، وتلين طبعه، وتذكره بربه، وتذكره بالوقوف بين يديه، فيحضر فيها قلبه ويخشع ويخضع ويتواضع، ويدعو ربه سراً وجهراً، ويذكره بعد تلك الغفلة، ويتلو كلامه ويخضع إليه، فينصرف منها وقد ازداد عبادة وقد تذكر الله وعظم قدر ربه في قلبه، هذه من الحكم.
وأيضاً: فإن ذلك لأجل تخفيفها، فلو أمروا بأن يصلوا سبع عشرة ركعة متوالية في وقت لكان في ذلك شيء من الثقل، وحبس لهم عن قضاء حوائجهم، ولكن أمروا بأن يصلوا كل جزءٍِ منها في وقت، فأربع في وقت، وثلاث في وقت، وركعتان في وقت وهكذا.
كما أمروا أن يتقربوا بجنس هذه الصلاة حسب استطاعتهم، كما يتقربون بجنس بقية العبادات.