يقول صلى الله عليه سلم:(تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) ، أي: متى وصلني وجب تنفيذه؛ وذلك لأنه عرف أنه ثبت عنده هذا الحد فلم يمكنه تعطيله، بل يتحتم إقامته، هكذا أخبر عليه الصلاة والسلام، أما قبل أن يرفع إليه فإن أهل الحقوق إذا تنازلوا وأسقطوا حقهم لم يلزمه شيء.
ولهذا جاء أن صفوان بن أمية كان نائماً في المسجد، وقد توسد رداءه، فجاءه لص فأخذ الرداء من تحت رأسه، وجعل تحت رأسه لبنة، ولما أخذه شعر به صفوان فاستيقظ، ثم قبض عليه، والرداء يساوي نحو ثلاثين درهماً، أي: أقل من ثلاثة دنانير، فلما قبضه ذهب به حتى أوصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بقطع يده، فقال صفوان: إني قد عفوت عنه، فقال:(هلا قبل أن تأتيني به؟) أي: لماذا لم تسقط الحد عنه قبل أن تأتيني؟ ولماذا لم تعف عنه قبل أن ترفعه إلي؟ أما بعد أن رفعته إلي وعرفت أنا أنه سارق فلابد من قطع يده؛ وذلك لأنه اتصف بالسرقة، فهذا مثال في أنه يتعافى في الحدود قبل أن ترفع إلى السلطان.
مثلاً: لو قبضت على سارق في بيتك أو قد خرج بالسرقة ووجدتها عنده، ثم عفوت عنه وطلبت منه أن يرد إليك مالك، أو سرق من جيبك أو من مخبئك نقوداً ثم قبضت عليه وعرفت أنه هو الذي سرق، واعترف بذلك، وعفوت عنه فيما بينك وبينه، ولم ترفع بأمره إلى الحاكم؛ فلا حرج عليك، أما إذا رفعت بأمره فلا يفيد أن تتنازل عنه بعد ذلك؛ لأن حق الله تعالى قد وجب، والسرقة هي حق لله؛ ولأنه حد من حدوده، وفيها حق للآدمي؛ لأنه اعتدى عليك.
وأما القذف فإنه حق لآدمي فله أن يسقطه، وأما الزنا فإنه حق لله وذلك لما فيه من انتهاك الحرام، وحق للزوج، وحق للأولياء، ولكن ليس لهم أن يتسامحوا أو يتغاضوا عن مثل هذه الحقوق.