واستدلوا بهذا الحديث على أنه يجوز أن تصرف الأموال في المؤلفة قلوبهم من الغنائم ونحوها، فإذا كانت الغنائم تصرف في المؤلفة قلوبهم فكذلك الزكاة، جعل الله منها نصيباً للمؤلفة قلوبهم، فمتى وجدوا أعطوا من الزكاة.
والمؤلفة قلوبهم هم الذين أسلموا لأجل الدنيا، فيعطون من الزكاة ويعطون من الغنيمة حتى يقوى بذلك إيمانهم، إما أن يكونوا ضعاف الإيمان فإذا أعطوا من المال رغبوا في الإسلام، فإذا جمعت زكوات أقوامهم وجبيت فيعطون منها، ليقوى إيمانهم، وإما أن يسلم نظراؤهم من الأكابر والأمراء والقادة والسادة، فإذا أعطوا أسلم ذلك الأمير وأسلم ذلك الثاني والثالث رغبة في العطاء وفي المال، وإما أن يعطوا لكف شرهم إذا كان يخشى منهم الانقلابات والشرور ويخشى منهم الفتك بالإسلام وبالمسلمين، فيعطون من زكاة المال أو من بيت المال أو نحو ذلك ما يكف شرهم، فهؤلاء هم المؤلفة.
فمن هؤلاء الذين هم قادة في قومهم هذا الرجل الذي هو من قادة العرب، ويقال له عيينة بن حصن، كان من أشراف العرب، وكذلك الأقرع بن حابس كان من أشراف تميم وأمرائهم، وهكذا العباس بن مرداس كان شريفاً مشهوراً في سليم، ولذلك لما أعطاه أقل منهم روى مسلم أنه أنشد شعراً يقول فيه: أتجعل نهبي ونهب العبيـ ـد بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع وما كنت دون امرئ منهما ومن يخفض اليوم لا يرفع فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مثلهم.
وكذلك لكف شرهم، ولأنهم ذوو ألسن وذوو نجدة يرجى أن ينصروا الإسلام، وأن يكف بذلك شرهم.
فهذا حكم المؤلفة قلوبهم، والصحيح أنهم باقون فإذا احتيج إليهم أعطوا، وإذا لم يحتج إليهم فلا حق لهم لا في زكاة ولا في بيت مال.