وقوله صلى الله عليه وسلم:(إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين) ، الغرة: بياض الوجه، والتحجيل: بياض اليدين والرجلين.
وقد صح هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم من عدة طرق، وأخبر بأن أمته تعرف بين الأمم ببياض الوجوه وببياض اليدين والرجلين، فالذين يحافظون على الوضوء، ويحافظون على الطهارة، ويحافظون على الصلاة، تكون لهم علامة وميزة يتميزون بها، وهو أنهم يأتون بيض الوجوه، وهو معنى الغرة، كما يأتون بيض الأيدي والأرجل، وهو معنى التحجيل.
فأخذ أبو هريرة من هذا الحديث أنه يستحب أن تطول الغرة ويطول التحجيل، ولكن الغرة لا يمكن تطويلها؛ لأن الوجه يغسل كله فلا يمكن أن يزاد فيه، وكذلك يمسح الرأس ولا يزاد فيه الرقبة؛ لأنها لا تمسح ولا تغسل على الصحيح، فالذي يغسل هو الوجه كله، وهو الذي يكون بياضه غرة، فلا يمكن إطالة الغرة ولا الزيادة فيها، ولا يجوز النقص منها، ولا يجوز أن يقتصر على بعض الوجه ولا أن يغسل الرأس، فالرأس فرضه المسح كما هو معروف.
وقد اجتهد أبو هريرة فغسل بعض العضد، وغسل بعض الساق، وقصد بذلك أن يكون البياض في اليدين أطول، فلا يقتصر التحجيل على بياض الذراع وبياض القدم، بل يكون العضد أبيض، وكذلك الساق.
وقد استدل أبو هريرة بهذا الحديث، واستدل أيضاً بقوله عليه الصلاة والسلام:(تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) ، والحلية: هي الزينة التي يحلى بها أهل الجنة، فقد ذكر الله أنهم:{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}[فاطر:٣٣] ، فمعناه أن أهل الجنة يحلون -بمعنى: يلبسون- حلياً للزينة وللكرامة، وتلك الحلي تكون في اليد وفي العضد ونحو ذلك، فالحلية تكون إلى منتهى الوضوء، فاستحب بعض العلماء أنه إذا توضأ يغسل بعض العضد ويغسل بعض الساق حتى يكون البياض أكثر.