وفي الأحاديث الأخرى حديث ابن عباس وحديث عائشة أن رجلاً وامرأة سألا النبي صلى الله عليه وسلم، فالرجل قال: إن أبي مات وعليه صوم.
والمرأة قالت: إن أبي مات وعليه صوم.
والرجل قال: صوم شهر.
والمرأة قالت: صوم نذر.
وكل منهما استأذن أن يقضي عن أبيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أفرأيتَ لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم.
قال: فدين الله أحق أن يقضى) ، فالله أحق أن يقضى دينه، فهذا الصوم دين لله شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بدين الآدمي، وهذا فيه -أيضاً- دليل على المبادرة بقضاء دين الآدمي، فإذا مات قريب لك وأنت الذي ترثه وكان عليه دين ولم يخلف تركة فإنك مطالب بذلك، مطالب بأن توفي عنه؛ لما في هذا الحديث:(أكنت قاضيه؟ قال: نعم.
قال: فدين الله أحق أن يقضى) .
ويقال كذلك في هذا الصوم، شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدين، لكن معروف أن الدين يكون في التركة، ويقدم على الإرث وعلى الوصايا وعلى الحقوق كلها؛ لأن الميت قد استوفى حقوق الناس في حياته، فيعطون دينهم ويوفون حقهم من تركته.
أما إذا لم يكن له تركة فإن وفاء الدين على ورثته الذين لو كان فقيراً للزمتهم نفقته، فكذلك يوفون دينه، وذلك لأنهم أقرب له، فأولاده -مثلاً- يقومون بنفقته إذا احتاج، فيوفون دينه إذا كان عليه دين وهم ذو سعة وذو مقدرة، وكذلك أبواه، فإذا كان لا مال له كلف الأب أو الأم بالوفاء عنه كما يكلفان بالنفقة عليه في حياته، وهكذا -أيضاً- الإخوة والأخوات والأعمام ونحوهم، يكلفون بأن يقضوا الدين كما أنهم يكلفون بالنفقة، وكما أنه لو خلف مالاً لورثوه فكذلك يوفون ما عليه من الحقوق.
فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الدين في ذمة الميت، وجعل هذا الصيام من جملة الدين أو شبيهاً بالدين، فكما يوفى الدين فكذلك توفى هذه الحقوق التي هي لله، وقال:(فدين الله أحق أن يقضى) .