[مواقيت الحج المكانية]
لأجل ما سبق وقت النبي صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لأهل كل جهة، فأهل المدينة وكذلك من كان في جهة المدينة من أهل البلاد الشمالية، كأهل تبوك، ووادي القرى، وأهل دومة الجندل، وأهل الحدود الشمالية يأتون إلى المدينة ويحرمون من ميقاتها، وميقات أهل المدينة ذو الحليفة، وهو موضع قرب المدينة بينه وبين المسجد النبوي ستة أميال، معروف الآن، ويسميه أهل المدينة (أبيار علي) أو (بئر علي) ، وهذه التسمية محدثة، سماها بذلك الرافضة، وفي المدينة كثير من الرافضة سموها به، وإلا فاسمها على الأصل (ذو الحليفة) .
وذكر شيخ الإسلام أن الرافضة يزعمون أن فيها بئراً قد قاتل علي فيها الجن، فقالوا: (أبيار علي) أو: (بئر علي) وكذبوا، فلم يقاتل علي أحداً من الجن، وكذلك جميع الصحابة ما ذكر أنهم قاتلوا أحداً من الجن، لا في ذلك المكان ولا في غيره.
فإذاً تسميتها بئر علي أو آبار علي تسمية من الشيعة الذين يغالون في علي ويدعون فيه هذه الكرامة ونحوها، وإلا فأصلها أنها (ذو الحليفة) ، كان فيها حلفاء -النبات المعروف- صغيرة، فسميت باسمها.
وبينها وبين مكة في ذلك الوقت عشر مراحل، والمرحلة: مسيرة ثنتي عشرة ساعة للدابة.
أي: عشرة أيام، فلما أحرموا أقاموا بين مكة والمدينة عشرة أيام أو نحواً منها وهم محرمون، أما في هذه الأزمنة فلها طريق، وأصبح يزيد على أربعمائة كيلو متر قيلاً، فأصبحت تقطع في ثلاث ساعات ونصف، أو في أربع ساعات بدل أن كانت تقطع في عشرة أيام، كل يوم يسيرون فيه ثنتي عشرة ساعة.
ولا شك أن النصب والتعب يكون أعظم للأجر، فالصحابة الذين أحرموا وبقوا على إحرامهم عشرة أيام أجرهم أكبر من الذين يكون إحرامهم أربع ساعات أو نحوها، وعلى كل حال فتيسير الطرق وتسهيلها وتقاربها وقطعها في هذه المسافة أو المدة القصيرة بواسطة هذه الناقلات والسيارات التي قربت البعيد من نعم الله سبحانه وتعالى التي يجب أن تشكر، والتي خففت المئونة، وأصبح لا عذر لأحد ولا مشقة عليه في أن يأتي إلى المناسك وأن يعمر هذه المشاعر التي هي مشاعر الحج والعمرة.
أما ميقات أهل نجد فهو قرن المنازل، وأصله جبال صغيرة متسلسلة أمام الوادي الذي يقال له: (وادي السيل) أو قريباً منه في جهة الجنوب، ولكن لما كان الطريق لا يسهل إلا مع هذا الطريق جعلوا الميقات هو هذا الوادي أو نحوه، فأصبح محاذياً له من جهة الجنوب، وقرن المنازل -أو قرن الثعالب- محاذٍ للوادي من جهة الجنوب قليلاً، فهو عبارة عن مرتفع فوق طرف الوادي معروف باسم (قرن المنازل) .
وكانوا يحرمون منه لكونهم يأتون مع طرق في وسط أو مع وسط الجبال، ولكن السيارات لم يكن لها طرق إلا مع هذا المكان السهل، فأصبح الناس يحرمون من هذا الوادي.
ومثله -أيضاً- الميقات الذي في طرف الجبل أو رأس الجبل الذي هو جبل كرى، هذا الوادي -أيضاً- يسمى وادي محرم، ويسمى -أيضاً- قرن المنازل، وهو محاذٍ لقرن المنازل من جهة الجنوب الغربي، بني فيه -أيضاً- مسجد، ويحرم به من نزل من ذلك الوادي الذي هو طريق كرى، فمن أحرم من كل منهما فقد أحرم من ميقات أهل نجد.
كذلك ميقات أهل اليمن يعرف بـ (يلملم) ، وفي هذا الأزمنة يسمونه السعدية، وهو ميقات مشهور بينه وبين مكة -أيضاً- مرحلتان كما بين ميقات أهل نجد وبين مكة، ومرحلتان في ذلك الوقت معناهما مسيرة يومين، أما في هذه الأزمنة فما بقي بينه وبين مكة إلا نحو ثمانين كيلو متر تقطع في أقل من ساعة، وذلك بعد تسهيل هذه الطرق.
وعلى كل حال: فهذه مواقيت معترف بها، أما ميقات أهل الشام، وأهل مصر، وأهل المغرب الذين يأتون من جهة المغرب وينزلون بالسواحل فميقاتهم الجحفة، وهي قريبة من الساحل، وهذه الجحفة كانت قديماً تسمى (مهيعة) ، وكانت عامرة، ثم إنه حصل فيها وباء وأمراض، فخربت البلد، وصار الناس يحرمون من رابغ -البلدة المعروفة بهذا الاسم-.
وفي هذه الأزمنة أعادت الحكومة الميقات إلى الجحفة، وبنت فيها الحكومة -أيدها الله- مسجداً كمساجد المواقيت التي في السعدية وفي وادي محرم وفي السيل، بنت مسجداً كبيراً يحرم منه من يمر من ذلك الميقات، كالذين يأتون -مثلاً- من بلاد السواحل كينبع وضبع والوجه، وما إلى تلك الجهات، حتى أهل رابغ يحرمون منه، وقد يمرون على الميقات ويحرمون منه، وكذلك الذين يأتون من خارج البلد -أي: خارج المملكة- الذين يأتون في السفن إذا حاذوا ميقات الجحفة أحرموا منه، وكذلك أهل البواخر، وهناك -أيضاً- بواخر ترسي في ينبع ميقات أهلها.
والجحفة أبعد من قرن المنازل، بينها وبين مكة ثلاث مراحل، فهذه هي المواقيت.
يقول في الحديث: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن ممن أراد الحج والعمرة) يعني: من أتى إلى مكة قاصداً الحج أو قاصداً العمرة ومر على ميقات من هذه المواقيت فإنه لا يتجاوزه إلا محرماً.