بعد ذلك ذكر الركوع، ومعناه: الانحناء من قيام إلى أن تصل يداه إلى ركبتيه، ولا شك أنه ركن في الصلاة، وقد أمر الله تعالى به في عدة آيات، مثل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}[الحج:٧٧] ، وفي قوله تعالى:{وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[البقرة:١٢٥] وفي قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[البقرة:٤٣] .
والركوع وهو الانحناء من القيام وهو عبادة من العبادات، بل هو من أجل العبادات، وما ذاك إلا لما فيه من الانحناء وما فيه من الذل والخضوع بين يدي الرب سبحانه وتعالى، فإنه في تلك الحال يكون مخبتاً منيباً متواضعاً متخشعاً متذللاً لربه، خاضعاً بين يديه، قد خفض رأسه، فلذلك يأتي فيه بالذكر المناسب، فيقول فيه: سبحان ربي العظيم، فكأنه يقول: أنا الذليل وأنت العظيم، أنا العبد وأنت المعبود، أنا العبد وأنت المالك، فأنت مالكي وأنت ربي، أنا المربوب وأنت رب العباد، فأنا أعظمك حق التعظيم.
وقد ورد في حديث قوله صلى الله عليه وسلم:(أما إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) .
يعني: حريٌ أن تستجاب دعواتكم، فأمرهم في الركوع بأن يعظموا الرب، ولأجل ذلك يسن أن يؤتى بالأذكار التي فيها تعظيم لله تعالى، وتسبيحه، وتنزيهه وتقديسه، وكل ذلك ليستحضر العبد عظمة ربه، وأنه خاشع خاضع واقف بين يديه، فيوجب له ذلك الانكسار الذي يوجب رحمة الله تعالى، وورد في حديث:(أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي) وإذا انكسر القلب تواضع الجسم، فيكون ذلك سبباً في نزول الرحمة.