أما الحديث الذي بعده فهو في النهي عن صوم يومي العيدين: يوم عيد الفطر وهو أول يوم من شوال، ويوم عيد النحر وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة كما هو معروف.
وصوم هذين اليومين حرام، ووردت أدلة تدل على التحريم، وعلل النهي عن صوم يوم النحر بأنه اليوم الذي يُذبح فيه النسك، فيقول:(تأكلون فيه من نسككم) ، فالحجاج يذبحون فيه قربانهم وفديتهم، وغير الحجاج يذبحون فيه أضاحيهم، وكلها مناسك ونسك يذبحونها، فمن آثار ذلك أن لا يصوموا، وأن يأكلوا من ذبائحهم ومن الطعام الذي أحله الله لهم وأمرهم بالأكل منها في قوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[الحج:٢٨] ، وقال تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}[الحج:٣٦] ، ولو صاموا لما أكلوا منها أكلاً مطلقاً، وإن كانوا قد يأكلون إذا أفطروا ليلاً، ولكن الأكل المعتاد هو الأكل منها حينما تذبح نهاراً، وبذلك تعرف حكمة الله.
وكذلك -أيضاً- لا شك أنه يوم فرح، فيوم العيد -عيد الأضحى- يوم فرح، وذلك لأن الحجاج يفرحون بإتمام نسكهم، وغير الحجاج يفرحون بإتمام أعمالهم حيث عملوا فيها من الأعمال ما يرجون ثوابه، فصاموا في تلك الأيام وتصدقوا، وكذلك ذكروا الله وكبروه وعبدوه، فكان عليهم أن يشكروا نعمة الله، وأن يفرحوا بما أعطاهم الله تعالى وبما أباح لهم، ويوم الفرح هو اليوم الذي تسر فيه النفوس، فلا يناسب أن يصوموه.
وأيضاً فإن هذا اليوم مع الأيام التي بعده -وهي أيام التشريق- كلها أيام ذبح، ولو صاموا لشق عليهم الصوم مع الاشتغال بذبح القربان وبالتصدق به وما أشبه ذلك، ولو صامه الحجاج لشقت عليهم الأعمال التي يعملونها، فإنهم في يوم العيد يذبحون، وكذلك يرمون ويحلقون ويطوفون ويسعون، فيتكلفون تكلفاً، والصيام قد يتعبهم، فنهوا عن الصيام حتى ولو كانوا من أهل مكة، وكذلك تبعهم غيرهم من أهل القرى في أنهم لا يشرع لهم الصيام في هذه الأيام.