في هذه الأحاديث الأمر بالمحافظة على النظافة والنزاهة والبعد عن الأقذار والنجاسات، وذلك أن المياه يُحتاج إليها للشرب وللسقي وللطبخ وللطهارة، ولا شك أن البول فيها والانغماس فيها يفسدها إما عاجلاً وإما آجلاً، فنهى عليه الصلاة والسلام عن البول في الماء الدائم، والماء الدائم: هو الراكد الذي لا يجري ولا يتحرك من موضعه، كمياه الثغبان والخزانات التي هي مستقرة وليست تستخلص وليست تجري ونحو ذلك.
فهذا الماء الراكد الذي في هذا الخزان أو في هذه الجابية أو نحوه لا شك أنه راكد، والبول فيه لأول مرة قد لا يظهر أثره، ولكن قد يكثر البول فيفسده ويظهر أثره، وقد تكرهه النفوس، فإذا رأى الإنسان شخصاً -ولو صغيراً- يبول في هذا الماء ولو كان كثيراً اشمأزت نفسه منه وكرهته، وقد يكثر من يبول فيه فينجسه فيظهر بعد ذلك أثر هذه النجاسة ويصير الماء نجساً نجاسة عينية.
ولا شك أن الإنسان مأمور بالابتعاد عن الأشياء التي تفسد عليه أو على غيره شيئاً محتاجاً إليه، ومعلوم أن الحاجة إلى الماء حاجة ضرورية، ولو لم يكن إلا للدواب، فالدواب قد تشم فيه روائح البول ونحوه فتستقذره.
فالحاصل: أنه عليه الصلاة والسلام أدّب الأمة بالنهي عن التبول في المياه الراكدة، كالمستنقعات ونحوها، ولا شك أنه إذا كثر التبوّل فيها ظهر أثر ذلك ولو بعد حين، فحينئذ تكون نجسة، ولكن لو وقع مرة واحدة ولم يظهر تغير في ذلك الماء فإنه لا ينجس إن شاء الله؛ لأن النجاسة إنما تكون بالتغير، والتغير إما أن يكون بتغير طعم الماء، أو ريحه، أو لونه، ومع ذلك فإنه منهي عن استعماله في هذه الحال لقوله:(لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه) ، كأنه يقول: إنه إذا اغتسل منه أو توضأ منه هو أو غيره بقي في نفسه شك في أنه تطهر بماء غير طهور، فلا تطمئن نفسه في العبادة.