الخيار يكون للأولياء، فالأولياء هم الذين يختارون إما القتل وإما العفو وإما الدية، وإذا تعددوا فلكل منهم أن يختار، فإذا كان أولاده ذكوراً وإناثاً، فطلب أحدهم الدية، أجبروا بأخذها كلهم ولو طلب أكثرهم القصاص، وما ذاك إلا لأن القصاص لا يتجزأ، ولا يمكن أن يعطى هذا نصيبه ويقتص لأجل نصيب الآخرين، ولو كان الذي طلب الدية زوجة له، ولو كانت ابنة له، ولو كانت قريبة للقاتل، ما دام أن لها حقاً في الدية فإن لها طلب الدية، وعند ذلك تُعطى نصيبها من الدية، ويجبر الباقون على أن يأخذوا الدية، ويتركوا القصاص الذي لا يتجزأ.
كذلك يجوز أن يعفو بعضهم عفواً مطلقاً، ويأخذ الباقون نصيبهم من الدية، فمن أسقط نصيبه من الدية وطلب الأجر فله أجره، والبقية الذين لم يسقطوا نصيبهم يأخذوه كاملاً أو يأخذوا ما طلبوه.
والدية قدرت بمائة من الإبل، وإذا طلبوا القصاص كلهم، أو طلبوا مالاً كثيراً فإن لهم ذلك، وقد روي أن بعض الصحابة عرضوا على أولياء المقتول أربع ديات، وقالوا: له: نعطيك ديتين؟ فقال: لا أريد إلا القصاص، فقالوا: نعطيك ثلاث ديات؟ فقال: لا أريد إلا القصاص، فقالوا: نعطيك أربع ديات؟ فقال: لا أريد إلا القصاص، فلما أصر على ذلك مكنوه من القصاص وقال: لو أعطيتموني عشرين دية لما قبلت، وهذا يدل على أنه يجوز أن يزاد في الدية، ولكن هذا يسمى صلحاً عن الدم، وكأن القاتل يشتري نفسه، يقول: لا تقتلوني وأنا أعطيكم أكثر من الدية، أو يقول أهله وعصبته: نحن نشتريه منكم بما تطلبون، ولو طلبتم خمس ديات أو ست ديات أو عشر ديات أو نحو ذلك، فيجوز أن يصطلحوا على أكثر من الدية، ولكن الأولى العفو والصلح، والإنسان إذا عفا وأصلح فأجره على الله.