يحرم استعمال أواني الذهب والفضة، لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة، ولا تشربوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) ، وأراد بذلك النهي الأكيد عن استعمال هذه الأواني التي صنعت من الذهب أو من الفضة؛ استعمالها في الطبخ فيها أو الأكل فيها.
والصحاف هي التي توضع فيها الأطعمة، الأكل فيها كصحفة أو الاستعمال لها في شرب أو طهارة أو نحو ذلك، سواء كانت مما صنع من الذهب أو مما صنع من الفضة، وذلك لأن في ذلك كسر لقلوب الفقراء، إذا رأوا هؤلاء الأثرياء يشربون ويأكلون في أوان من ذهب أو من فضة، وهم يعوزهم لقمة العيش، ويعوزهم ستر العورة، ولا يجدون ذلك إلا قليلاً، وهؤلاء قد زادوا إلى هذا الحد؛ كان في ذلك كسر لقلوب الفقراء، والمسلم مأمور بأن يساوي إخوته، ولا يستعمل ما يضرهم، ولا ما يسيء إليهم، فهذا من الأسباب.
أو أن في ذلك إسرافاً، فإنه ما دام أن هناك ما يقوم مقامها من أواني النحاس والصفر، وأواني الحديد، وأواني المعادن الأخرى، فلا حاجة إلى أن تستعمل هذه الأواني بأي نوع من أنواع الاستعمال.
ولا شك أن هذا هو الأقرب، أن العلة في ذلك ما فيها من الإسراف، والبذخ، والغرور، والمباهاة، والفخر والافتخار بأنه يتمتع بكذا وكذا، ويعم كذلك أيضاً كل إسراف في استعمال شيء من الآلات التي فيها أو في ثمنها ارتفاع زائد، وإفساد للمال؛ وذلك لأنه يوجد من هو بحاجة إلى هذا المال الزائد.
وعلى كل حال علل في هذا الحديث بقوله:(فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) أي: أن استعمال هذه الأواني لأهل فارس والروم واليهود والنصارى والمشركين ومن شابههم، يتمتعون بها في الدنيا ويحرمون منها في الآخرة، وأنتم أيها المؤمنون الذين ستدخلون الجنة، وتتنعمون بها، وتلبسون ما تشاءون من الثياب والنعيم، وتأكلون فيما تشاءون من هذه الصحاف ونحوها.
ورد في بعض الأحاديث: أن الله تعالى خلق الجنة مائة درجة، يعني: مائة دور من الأدوار، درجة منها من ذهب آنيتها وأوانيها، وأبنيتها، وبلاطها، وكل ما فيها، ودرجة أخرى من فضة آنيتها، وفرشها، وبلاطها، وأبنيتها، ودرجة ثالثة من اللؤلؤ آنيتها وكل ما فيها، وبقية الدرجات فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فالمؤمن يطلب ذلك الثواب، ويترك ما يكون سبباً في حرمانه من هذا الثواب.