أما صلاة المغرب فذكر في حديث جابر أنه كان يصليها إذا وجبت، ولم يذكر شيئاً في حديث أبي برزة، وقال: نسيت ما قال في المغرب، ولكن المشهور أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب، فإذا غربت عن الأعين دخل وقت المغرب.
قد ذكرنا أنه يستدل على وقتها بقوله تعالى:{وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ}[هود:١١٤] وبقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم:١٧] فيدخل في (حين تمسون) صلاة المغرب، فإنها تبدأ حين دخول المساء، وفي هذا الحديث أنه كان يصليها إذا وجبت أي: غربت، يقال: وجبت الشمس أي: سقطت في المغيب، ومنه قوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}[الحج:٣٦] ، ويعبر عنه أيضاً بالتواري كقوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}[ص:٣٢] يعني: احتجبت عن الأعين.
كان يصليها مبكراً، فإذا تحقق من الغروب صلاها، وكان ينصرف منها والرجل يرى مواضع نبله، والنبل هي السهام التي يرمون بها، فكانوا ينصرفون من صلاة المغرب وإذا رمى أحدهم بالسهم الذي يبلغ مائتي ذراع أو نحوه يرى السهم إذا وقع في الأرض، هذا معنى (يرى مواقع نبله) ، يعني: لا يزال هناك ضياء ولم تستحكم الظلمة، مما يدل على أنه كان يبكر بها.
والتبكير في صلاة المغرب يكون في أول وقتها بحيث يبقى ضوء من النهار، ولم تستحكم الظلمة، هذا هو السنة.
وقال بعضهم: إنه ليس لها امتداد، ولكن الصحيح أن وقتها يمتد إلى دخول وقت العشاء، وهو وقت غروب الشفق، وهي الحمرة التي في الأفق، فهذه الحمرة إذا غربت دخل وقت العشاء، وما دامت باقية فوقت المغرب باق، ولكن السنة المبادرة والإتيان بها في أول الوقت.