قال المصنف رحمنا الله تعالى وإياه: [باب الربا والصرف: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء، والفضة بالفضة رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) ،وفي لفظ:(إلا يداً بيد) ،وفي لفظ:(إلا وزناً بوزن، مثلاً بمثل، سواء بسواء) ] .
هذا الباب يتعلق بالربا والصرف، والربا لغة: الزيادة والنمو، ومنه قول الله تعالى:{فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}[الحج:٥] يعني: نمت، ومنه: تسمية المرتفع من الأرض: الربوة، قال تعالى:{وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ}[المؤمنون:٥٠] فالربوة: هي المكان المرتفع الذي نبا عن غيره وربا عما سواه، وكذلك قوله تعالى: (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [البقرة:٢٦٥] أي: بمكان مرتفع.
والربا في الاصطلاح: هو زيادة في شيء مخصوص، أي: من المعاملات.
وأصله: أن أهل الجاهلية كانوا يتعاملون بالبيع والشراء ونحوه، فإذا حل الدين قالوا لصاحبه: إما أن تعطي، وإما أن تربي الدين الذي عليك، فإما أن تسلمه لنا الآن وإلا تركناه وزدنا عليك فيه، فإذا كان -مثلاً- ألفاً نؤجله سنة أخرى ونصيره ألفاً ومائتين مثلاً، فإذا حل الألف والمائتان جاء إليه في السنة التي بعدها فقال: إما أن تعطي وإما أن تربي، فإذا لم يجد قال: أزيده ثلاثمائة ليصبح ألفاً وخمسمائة، فإذا حلت جاء إليه وقال: إما أن تعطي وإما أن تربي، فإذا لم يجد زاده مثلاً أربعمائة ليصبح ألفاً وستمائة وهكذا يزداد الدين في ذمة المدين ويترابى، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً}[آل عمران:١٣٠] أي: أنه يتضاعف شيئاً فشيئاً؛ لأنه في كل سنة يزداد ذلك الربا الذي في الذمة، فلأجل ذلك حرمه الله؛ وذلك لما فيه من الإضرار على أولئك المساكين الذين في ذمتهم ذلك المال وذلك الدين، فإنه يُزاد عليهم وهم لم ينتفعوا بشيء، بل يتضاعف عليهم.
وقال الله تعالى:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ}[الروم:٣٩] أي: ليكثر في أموال الناس؛ فيعطيه -مثلاً- مائة ويقول: أكتبها عليك بمائة وعشرة، فإذا حلت وأخره قال: هي عليك بمائة وعشرين، أو بمائة وثلاثين، ثم بمائة وخمسين وهكذا يربو في أموال الناس، ويزيد في أموالهم شيئاً فشيئاً، هذا هو الأصل في الربا.