هذا باب الأذان، وهو من شعائر الإسلام الظاهرة، فرفع الصوت بهذه الكلمات في أوقات الصلاة من شعائر الدين، ومن أعلام الإسلام، ومما يُعرف به أن أهل هذه البلد مسلمون مُعلنون لكلمات الله مظهرون لدين الله، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا وقرب من أهل قرية أو أهل بادية انتظر وقت الصلاة، فإن سمع أذاناً منهم تركهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم، فجعل الأذان علامة على أنهم مسلمون؛ وذلك لأنه أصبح شعاراً للمسلمين.
شُرع هذا الأذان للإعلان بدخول الوقت، وأوقات الصلوات محددة، لكل صلاة وقت له أول وآخر، والناس قد لا يعرفون الوقت بالزمان؛ فلذلك جعلت علامة يعرفون بها أوقات صلواتهم، فإذا سمعوا الأذان توجهوا لأداء هذه الصلوات في بيوت الله سبحانه، وإذا سمعوا الأذان عرفوا أن الوقت قد دخل فصلى المعذور في محله.
وهذا الأذان مشتمل على كلمات كلها ذكر، فلا جرم كان فيه من الأذكار ما هو تذكير مناسب؛ وذلك لأنه يرفع به الصوت، فناسب أن يكون مبدوءاً بالتكبير الذي يذكر بكبرياء الله وبعظمته وبحقارة ما سواه، وكذلك فيه تكرار الشهادتين وما ذاك إلا ليعلم أن هذا التكبير وهذه الشهادة شعار الإسلام، فإن الشهادتين من شعائر المسلمين، وفيه دعاء إلى الصلاة، وإلى نتيجتها، يدعو الناس بقوله: حيَّ، يعني: هلموا وتعالوا إلى هذه الصلاة التي يحصل بها الفلاح، وفي ذلك ما يدفعهم إلى أن يأتوا مسرعين حريصين على الفلاح الذي هو الفوز، وختم بالتكبير مرة ثانية، وبالتهليل الذي هو تذكير بالشهادة.
فهذا الأذان من شعائر الإسلام؛ ولذلك كانت وظيفته من أشرف الوظائف، ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال:(يغفر للمؤذن مدى صوته) ، وأوصى أبو سعيد رجلاً من أصحابه فقال: إني أراك تحب البادية، فإذا كنت في باديتك أو في غنمك وأذنت للصلاة فارفع صوتك بالأذان، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن شجر ولا حجر إلا شهد له يوم القيامة، وقرأ:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:٤] .
وقال بعضهم في قول الله تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ}[فصلت:٣٣] : نزلت في المؤذنين؛ لأنهم أحسن الناس قولاً؛ لأنهم يأتون بكلمات حسنة، ويأتون بهذه الدعوة إلى عبادة الله، فلا أحسن منهم قولاً، وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم يُعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم سيمة وعلامة لهم، وذلك دليل على فضيلة الأذان، وأنه شعيرة من شعائر الإسلام.
قال أنس:(أُمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة) ، وهذا الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية النسائي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، والمعنى أن يجعل كلمات الأذان شفعاً، يعني: مكررة، وكلمات الإقامة مفردة وتراً غير مكررة، فيكبر في الأذان أربعاً في الأول، وفي الإقامة تكبيرتين فهي على النصف، يتشهد أن لا إله إلا الله في الإقامة مرة، وفي الأذان مرتين، كل واحدة من الشهادتين يكررها في الأذان مرتين، والحيعلتان يأتي بهما مرتين في الأذان، ومرةً في الإقامة، فمعنى كونه شفعاً يعني: مرتين، والإقامة وتر يعني: مرة، إلا أن الإقامة تزيد بكلمة (قد قامت الصلاة) حيث إنما لإعلام الناس بالقيام، ويؤتى بها مرتين لإعلام الحاضرين بأن يقوموا إلى الصلاة.