ولا شك أن السجود على الوجه هو آكد أعضاء السجود، وبه يسمى ساجداً وبرفعه لا يسمى ساجداً، لو سجد على اليدين والركبتين وأطراف القدمين ورفع وجهه أو رفع صلبه لم يسم ساجداً حتى يضع وجهه على الأرض؛ وذلك لأن حقيقة التذلل حقيقة الخشوع حقيقة الخضوع: وضع الوجه على الأرض.
والوجه هو أشرف أعضاء الإنسان وأعلاها، والوجه هو مجمع المحاسن، والوجه هو مجمع الحواس، فإذا وضع وجهه على الأرض فقد حصل منه التواضع والتذلل، وقد ظهرت فيه العبودية، ويحمله ذلك على أن يخشع، وعلى أن يخضع، وعلى أن يتواضع وعلى أن يتذلل، وعلى أن يستحضر أنه خاشع لربه واقف بين يديه، متذلل له، عابد له غاية العبودية، فيكون هذا السجود أعظم أركان الصلاة وأشرفها بهذه الميزة، وهذه الخصوصية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ، حيث إنه في هذا السجود قد ذل لربه، وقد خضع له وخشع.
فلا شك أنه بهذه الحال قد قرب منه قرباً معنوياً، فهو أقرب إلى أن يجيب دعوته وإلى أن يسمعها سماع قبول، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:(أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي: حريٌ وقريبٌ أن تستجاب دعوتكم، حيث إن الساجد خاضع وخاشع لربه ومتواضع.