للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعا: قال ابن حزم: " لا يرجع الضامن على المضمون عنه، وعلى ورثته أبدا بشيء مما ضمن عنه أصلا- سواء رغب إليه في أن يضمنه عنه أو لم يرغب إليه في ذلك - إلا في وجه واحد، وهو: أن يقول الذي عليه الحق: اضمن عنى ما لهذا على، فإذا أديت عني فهو دين لك علي. فهنا يرجع عليه. بما أدى عنه لأنه استقرضه ما أدى عنه فهو قرض صحيح " (١)

قال في موضع آخر: " لا يرجع الضامن بما أدى سواء بأمره ضمن عنه أو بغير أمره إلا أن يكون المضمون عنه استقرضه " (٢)

وما ذكره ابن حزم من عدم رجوع الضامن على المضمون عنه يخالف ما عليه جمهور الفقهاء، ولا حاجة إلى تفصيل هنا، فهذه الحالة لا ينطبق عليها خطاب الضمان وإنما ينطبق على الحالة الأخرى التي يرجع فيها الضامن على المضمون عنه، ولا خلاف في هذا الرجوع.

والذي يعنينا هنا هو ما بينه ابن حزم من أن هذه الحالة تعتبر استقراضا.

ونجد مثل هذا البيان عند غيره أيضا:

جاء في الهداية: فان كفل بأمره رجع بما أدى عليه لأنه قضى دينه بأمره. وفى الشرح جاء في فتح القدير: إذا كان قضاء من جهة الذي أمر صار كما لو قال: اقض عنى، ويتضمن ذلك استقراضا منه. وفيه أيضا: والحاصل أن الأمر في الكفالة تضمن طلب القرض إذا ذكر لفظة عنى (٣)

وقال الكاساني: " الكفالة بالأمر في حق المطلوب استقراض، وهو طلب القرض من الكفيل، والكفيل بأداء المال مقرض من المطلوب، ونائب عنه في الأداء إلى الطالب، والمقرض يرجع على المستقرض بما أدى. وإذا كانت الكفالة في هذه الحالة تعتبر استقراضا، فما يؤخذ في مقابلها زيادة على الدين ألا يدخل من باب الربا المحرم؟ وإذا أدى المضمون عنه دينه فبم يستحق الضامن هذه الزيادة؟

وقد بين سبب المنع أكثر من فقيه:

جاء في المغنى والشرح (٤/٣٦٥) بعد ذكر أقوال لأحمد:

" قال: ولو قال اقترض لي من فلان مائة ولك عشرة فلا بأس، ولو قال: اكفل عني ولك ألف لم يجز، وذلك لأن قوله: اقترض لي ولك عشرة جعالة على فعل مباح فجازت، كما لو قال: ابن لي هذا الحائط ولك عشرة. وأما الكفالة فان الكفيل يلزمه الدين، فإذا أداه وجب له على المكفول عنه، فصار كالقرض، فإذا أخذ عوضا صار القرض جارا للمنفعة فلم يجز".


(١) المحلي ٨/٥٢٢
(٢) المحلي ٨/٥٣١
(٣) انظر فتح القدير ٦/٣٠٤

<<  <  ج: ص:  >  >>