بعد هذا البحث يتبين أن الكفالة عقد تبرع كما ثبت بالنص والإجماع والواقع العملي للمسلمين مدة أربعة عشر قرنا من الزمان، ومعاملاتنا المعاصرة في حاجة إلى مجهود أكبر، وتفرغ أكثر من فقهاء العصر حتى يسهموا في حل مشكلاتها حلا يتلاءم مع طبيعة هذه المعاملات، دون خروج على نص ثابت، أو إجماع معتبر، أو تعارض مع مقاصد التشريع الإسلامي.
والاجتهاد الجماعى كان سنة الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا بأن نعض عليها بالنواجذ، فقد كانوا يجمعون رءوس الناس وخيارهم فيستشيروهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضوا به. بل روى الدارمي في سننه بسنده عن أبي سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمر يحدث ليس في كتاب ولا سنة فقال:" ينظر في العابدون من المؤمنين ". ويمكن لأبحاث الأفراد، وآراء الجماعات الصغيرة، أن تمهد الطريق أمام الاجتهاد الجماعي، ولعل هذا البحث يقوم بهذا الدور الممهد.
وأحب أن أشير هنا إلى اجتماع لم يضم أكثر من بضعة أفراد، كان من فقهاء الشريعة فضيلة الدكتور حسين حامد حسان، وفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي، وكان من المسئولين عن أعمال مصرفية إسلامية السيد الأستاذ أحمد أمين فؤاد رئيس مجلس إدارة المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار بالقاهرة، والسيد الأستاذ قاسم محمد قاسم مدير مصرف قطر الإسلامي، وغيرهما، وكان بأيدينا هذا البحث، ودار حوار حول الكفالة، بدأناه ونحن مختلفون في الرأي، واستمر الخلاف فترة ثم انتهى بحمد الله تعالى، وخرجنا بحل ارتضيناه فقها وعملا، وبيانه كما يأتي:
نظرنا في الغطاء النقدي، ورأينا أن المصارف الربوية تهدف إلى الانتفاع به عن طريق الحصول على الفوائد الربوية، أما المصارف الإسلامية فتريد الاطمئنان إلى أن ما يطلب منها للمكفول له تستطيع أداءه من الغطاء نفسه لا من أموال المودعين المستثمرين، فيقع الضرر من توقف استثمار هذه الأموال، فقلنا:" إذا كان لعميل حساب جار، أو ودائع استثمارية، فإن المصرف الإسلامي يقبل جعلها غطاء نقديا للكفالة، على أن ينص على ذلك في التعاقد، مع استمرار اشتراك ودائع العميل الاستثمارية في الأرباح ".