وهناك نوع آخر من الرهن يوجد في قوانين كثير من البلاد الإسلامية، لا يقبض فيه المرتهن على الشيء المرهون، وإنما يبقى بيد الراهن، ولكن يحق للدائن إذا قَصَّرَ المدين في الأداء أن يطالب ببيعه وتسديد دينه من حصيلة بيعه، وهذا النوع من الرهن يسمَّى أحيانًا " الرهن الساذج " (SIMPLE MORTGAGE) وأحيانًا: " الذمة السائلة " (FLOTING CHARGE) وهذا مثل أن يرهن المدين سيارته لدي الدائن، ولكن تبقى السيارة بيد المدين الراهن يستعملها لصالحه كيف يشاء، ولكن لا يجوز له نقل ملكيته إلى شخص ثالث حتى يفتك الرهن السائل بتسديد الدين، ويثبت للدائن المرتهن حق في بيعها إذا قَصَّرَ صاحبها في أداء دينه، وإن هذا الحق يسمى " الذمة السائلة " (FLORTING CHARGE) فهل يجوز شرعًا توثيق الدين بهذا النوع من الرهن؟
وربما يقع الإشكال في جوازه من الناحية الفقهية، أن معظم القفهاء قد اشتراطوا قبض المرتهن لصحة عقد الرهن أو لتمامه على أساس قوله تعالى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}[البقرة: ٢٨٣] .
وفي " الرهن السائل " لا يقبض المرتهن على الشيء المرهون، فينبغي أن لا يصح هذا الرهن.
والواقع أن الفقهاء، وإن اشترطوا قبض المرتهن للشيء المرهون، ولكنهم في الوقت نفسه أجازوا بعد ذلك للراهن أن يستعير ذلك الشيء منه، وينتفع به لصالحه، ولا يفسد بذلك الرهن، بل يحق للمرتهن أن يسترده متى شاء، ولئن هلك الشيء المرهون عند الراهن، فإنما يهلك على مكه، ويحق للمرتهن أن يبيعه لتسديد دينه عند حلول الأجل، ولا يكون فيه أسوة لسائر الغرماء عند إفلاس الراهن أو موته. وقد جاء في الهداية للمرغيناني:
(وإذا أعار المرتهن الرهن للراهن ليخدمه أو ليعمل له عملًا، فقبضه، خرج من ضمان المرتهن، لمنافاة بين يد العارية ويد الرهن، فإن هلك في يد الراهن هلك بغير شيء، لفوات القبض المضمون، وللمرتهن أن يسترجعه إلى يده، لأن عقد الراهن باق، لا في حكم الضمان في الحال، ألا ترى أنه لو هلك الراهن قبل أن يرده على المرتهن، كان المرتهن أحق به من سائر الغرماء، وهذا لأن يد العارية ليست بلازمة، والضمان ليس من لوازم الرهن على كل حال " (١) .
ولكن هذا إذا تَمَّ عقد الراهن بقبض المرتهن مرة، أعارة المرتهن للراهن، أما إذا لم يقبض المرتهن الرهن أصلًا، فهل يثبت حكم الإعارة في تلك الصورة أيضًا؟ الظاهر من عبارات الفقهاء أنه لا يثبت ذلك في تلك الصورة بناء على اشتراط القبض لصحة الرهن، ولكن ههنا مَلَاحِظٌ أذكرها لتأمل الفقهاء المعاصرين، وهي:
(١) الهداية مع فتح القدير: ٩/١١٦؛ وراجع أيضًا: رد المحتار: ٦/٥١٠ و ٥١١.