ومن طرق ضمان التسديد أن يكفل طرف ثالث بمبلغ الدين ويلتزم على نفسه تسديد الدين من عنده إذا قَصَّرَ المدين الأصيل، وهذا النوع من الضمان يسمى " كفالة " وللكفالة أحكام مبسوطة في كتب الفقه، لا نقصد ذكرها في هذا البحث. ولكن نريد ههنا أن نلم بجزئية واحدة من أحكام الكفالة، وهي تقاضي الأجرة أو الجعل على الكفالة، فإن البنوك التقليدية في عصرنا لا تضمن لأحد بأداء الدين إلا إذا رضي المكفول به ببذل أجرة معلومة على ذلك، وربما تكون لهذه الأجرة نسبة مرتبطة بمبلغ الدين، مثل الثلاث في المائة، أو الأربع في المائة.
ومن المعروف في الفقه الإسلامي أن الكفالة عقد تبرع كالقرض، فلا يجوز تقاضي الأجرة عليها. ولكن ربما استدل بعض المعاصرين على جواز أخذ الأجرة على الكفالة، بإن الكفالة أصبحت اليوم عنصرًا قويًّا من عناصر التجارة المعاصرة، وقد أُنْشِئَتْ من أجل ذلك مؤسسات مستقلة تقدم خدمات الكفالة وتنفق على هذه الخدمات نفقات باهظة، فلم تعد الكفالة عقد تبرع محض، وإنما أصبحت معاملة مالية يحتاج إليها التجار، وخاصة في التجارات الدولية، وليس من الميسور الحصول على المتبرعين بالكفالة بالعدد المطلوب، فينبغي أن يجوز إعطاء الأجرة عليها.
ولكن هذا الدليل غير صحيح، لأنه لو كان صحيحًا لجاز تقاضي الفائدة على القرض أيضًا، لأن نفس هذا الكلام ينطبق على عقد القرض سواء بسواء، فإن القرض، وإن كان عقد تبرع في الأصل، غير أنه قد أصبح اليوم من الحاجات الأساسية للتجارة، وقد أنشئت لتقديم القروض مؤسسات مستقلة، وهي البنوك، ولا يمكن الحصول على المتبرعين بالقرض بالعدد المطلوب، ومع ذلك لا يقول أحد بجواز تقاضي الفائدة على القروض.
والواقع أن الكفالة والقرض لا يختلفان في كونهما عَقْدَي تبرع، وكما لا يجوز أخذ الفائدة على القرض، كذلك لا يجوز أخذ الأجرة على الكفالة، بل إن أجرة الكفالة أولى بالتحريم من فائدة القرض، وذلك لأن الكفالة التزام محض لأداء الدين عن المكفول له، بحيث إذا وقع الأداء فعلًا، فإنه يصير قرضًا للكفيل على الأصيل، فكأنه التزام بالإقراض، في حين أن الإقراض هو الدفع فعلًا، فإذا كان أخذ الأجرة على الإقراض – وهي الفائدة – ممنوعًا، فإن أخذ الأجرة على الالتزام به أولى بالمنع.