للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر مسألة أخرى من هذا النوع، فقال:

(قلت: أرأيت لو أن لي على رجل مائة دينار ومائة درهم حالة فصالحته من ذلك على مائة دينار ودرهم نقدًا، قال: لا بأس بذلك) (١) .

وقال الحطاب رحمه الله تعالى:

(وما ذكره عن عيسى هو في نوازله من كتاب المديان والتفليس ونصه: وسئل عن الرجل يقول لغريمه وقد حل حقه: أم عجلت لي كذا وكذا من حقِّي فبقيته عنك موضع إن عجلته لي نقدًا الساعة، أو إلى أجل يسميه، فعجل له نقدًا، أو إلى الأجل، إلا الدرهم أو النصف أو أكثر من ذلك: هل تكون الوضيعة لازمة؟ فقال: ما أرى الوضيعة تلزمه إذا لم يعجل له جميع ذلك، وأرى الذي له الحق على شرطه. قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال: أحدها قوله في هذه الرواية، وهو قول أصبغ في الواضحة. ومثله في آخر كتاب الصلح من المدونة أن الوضيعة لا تلزمه إلا أن يعجل له جميع ما شرط إلى الأجل الذي سمّي، وهو أصح الأقوال) (٢) .

فهذا تصريح من علماء المالكية في جواز " ضع وتعجل " في الديون الحالة، ويبدو أن مذهب غيرهم من الفقهاء موافق لهم في ذلك، فإنهم حيث ذكروا حرمة " ضع وتعجل" قيدوا ذلك بالديون المؤجلة، كما هو ظاهر من عبارة الإمام محمد بن حسن في موطئه ومن ترجمة الباب التي عقدها، كذلك قيد ابن قدامة هذه المسألة بالدين المؤجل، (وقد مرت نصوصهما آنفًا) ومن المعلوم أن مفاهيم كتب الفقه فيها حجة، فدل على جواز " ضع وتعجل " في الديون الحالة، وقال الشيخ ولي الدهلوي رحمه الله تعالى بعد ذكر قصة كعب وابن أبي حدود في وضع نصف الدين (٣) :

(فقال أهل العلم في التطبيق بينه وبين هذه الآثار أن الآثار في المؤجل، وهذا في الحالِّ، وفي كتاب الرحمة: اتفقوا على من كان له دين على إنسان إلى أجل، فلا يحل له أن يضع عنه بعض الدين قبل الأجل ليعجل له الباقي ... على أنه لا بأس إذا حل الأجل أن يأخذ البعض ويسقط البعض) .

والفرق بين الديون المؤجلة والديون الحالة ظاهر من جهة أن الدين الحال لا يشترط فيه الأجل، ولا يكون التأجيل فيه حقًّا من حقوق المدين، وبما أن الأجل منتف، فلا يمكن أن يقال إن الحصة الموضوعة من الدين عوض عن الأجل، فلا يكون في معنى الربا.


(١) المدونة الكبرى: ١١/٢٧، آخر كتاب الصلح.
(٢) تحرير الكلام في مسائل الالتزام، للحطاب: ص٢٣١، وراجع أيضًا: فتح العلي المالك: ١/٢٨٩ و ٢٩٠.
(٣) المسوى مع المصفى: ٢/٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>