هذا ما أراه بالنسبة لأصل فكرة التعويض من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية، فإن الفوارق الأربعة التي ذكرناها بين الفوائد الربوية وبين التعويض، فإنها – بالنظر إلى تطبيقها العملي – فوارق نظرية محضة، لا تخرج إلى حيز التطبيق العملي إلا في أحوال نادرة لا تصلح أن يدار عليها الأحكام.
أما الفرق الأول، وهو أن التعويض لا يطالب به من قصر في الأداء من أجل الإعسار، فإن إعسار المدين ويساره من الأمور التي يتعذر على المصرف التثبت فيها في كل قضية منفردة، فإن كل مدين يدعي أنه مُعسِرٌ، ولا سبيل للمصرف إلى أن يقنعه بكونه موسرًا على خلاف ما يدعيه، إلا برفع القضية إلى المحكمة. ولذا، فالواقع العلمي الذي تسير عليه المصارف الإسلامية التي تقر بمبدأ التعويض، أنها تصرح في اتفاقياتها بأن المدين يعتبر موسرًا إلا في الحالة التي قضي عليه فيها بالإفلاس قانونًا. ومن المعلوم أن الإفلاس القانوني حالة نهائية لا توجد إلا نادرًا. ومن المتيقن أن هناك كثيرًا من الذين لم يحكم عليهم بالإفلاس، ولكنهم معسرون بكل معنى الكلمة.
وحينئذ، كيف يمكن أن يقال: إن المصارف الإسلامية لا تطالب بالتعويض في حالة إعسار المدين؟
ومن المعلوم أيضًا أن من أقرض إنسانًا بفائدة ربوية، فإنه لا يصح له في حالة إفلاس المقترض إلا أن يأخذ بقدر ما وجد عنده، فلم يبق في هذا المجال فرق يعتد به بين تقاضي الفائدة ومطالبة التعويض.
أما الفارق الثاني: وهو محاسبة التعويض بعد شهر من حلول الأجل، فإنه على تقدير كونه معمولًا به في المصارف، فرق صحيح، ولكنه لا يعدو من أن يكون فرقًا لمدة شهر فحسب.
وأما الفارق الثالث والرابع، وهو كون وجوب التعويض متوقفًا على حصول الأرباح في مدة المماطلة، وكون نسبة التعويض غير معلومة من جهة كونها مبنية على نسبة الأرباح، فإن هذا الفرق صحيح نظريًّا، ولكن إذا نظرنا من الناحية العملية، رأينا أن معظم عمليات المصارف الإسلامية تدور حول المرابحة المؤجلة، وإن تحقق الربح ونسبته في هذه العمليات معروفة لدى المصرف ولدى عملائه، فأصبحت نسبة التعويض معروفة لدى الفريقين عملًا.