ثم إن معظم المصارف الإسلامية تحاسب أرباحها بعد كل ستة أشهر. فلا تكون الأرباح معلومة بالضبط إلا عند نهاية كل فترة، فلو كانت مدة المماطلة في أثناء هذه الفترة، كيف تعرف الأرباح الحاصلة في هذه الفترة بالضبط؟ وإن أصحاب الودائع الذين يخرجون من المصرف قبل نهاية الفترة، إنما يعطون كدفعة تحت الحساب، وتصير هذه الدفعة تابعة للتصفية الأخيرة عند نهاية الفترة. فهل يكون التعويض المطالب به في أثناء الفترة تابعًا للتصفية النهائية أيضًا؟ الظاهر: لا. فكيف يقال: إن التعويض موافق للأرباح الفعلية الحاصلة في خلال مدة المماطلة؟
وهناك جهة أخرى جديرة بالتأمل في هذا الموضوع وهي أن نسبة الأرباح الحاصلة في حساب الاستثمار تكون أقل دائمًا من نسبة الربح في عقود المرابحة والإجارة، فلو أراد المدين الخيانة، لأمكن له أن يستمر في صرف المبالغ إلى مشروعات تدر ربحًا أكثر مما يحصل في المصرف على حساب الاستثمار، فيدفع قليلًا من التعويض، ويحصل على ربح أكثر منه فيستمر في مماطلته إلى ما شاء من مدة. فيرجع نفس المحذور الذي لجأت المصارف إلى التعويض من أجله.
فاقتراح فرض التعويض على المماطلين اقتراح لا أعتقد أنه يحل مشكلة المماطلة، لا من جهة الشرع، ولا من الناحية العملية. فما هو الحل إذن؟
والحل الحقيقي لهذه المشكلة ما قدمناه في أول كلامنا في هذا الموضوع، ولكن ذلك إنما يفيد إذا أصبحت المصارف كلها تعمل على أسس شرعية. أما في الظروف الحاضرة التي لا توجد فيها المصارف الإسلامية إلا بعدد قليل، بالنسبة إلى المصارف الربوية التقليدية التي هي مبثوثة في أنحاء العالم كله، فيمكن أن تلجأ المصارف الإسلامية إلى حل مؤقت آخر، وهو أن يلتزم المدين عند توقيعه على اتفاقية المرابحة أو الإجارة بأنه إذا قصر في أداء واجبه المالي، فإنه سوف يتبرع بمبلغ معلوم النسبة من الدين إلى بعض الجهات الخيرية، ويسلم ذلك المبلغ إلى المصرف، ليصرفه بالنيابة عنه إلى تلك الجهات. فإن قصر المدين في الأداء لزمه أداء هذه المبالغ إلى المصرف، ولكن هذه المبالغ لا تكون مملوكة للمصرف، ولا تكون جزءًا من دخله أو ربحه، وإنما تكون أمانة عنده للصرف إلى الجهات الخيرية.