والمسألة الأخيرة التي نريد أن نثبتها في هذه العجالة، هي مسألة خراب ذمة المدين بموته، وهل يبقى الدين بعد موته مؤجلًا كما كان، أو يصير حالًّا، فيطالب الدائن الورثة بأدائه من تركة الميت فورًا؟ وقد اختلفت في هذه المسألة أقوال الفقهاء. فذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية إلى أن الدين المؤجل يحل بموت المدين، وهو رواية عن الإمام أحمد ابن حنبل أيضًا ولكن المختار عند الحنابلة أن الورثة إن وثقوا الدين، فإنه لا يحل بموت المدين، وإنما يبقى مؤجلًا كما كان. قال ابن قدامة رحمه الله:(فأما إن مات وعليه ديون مؤجلة، فهل تحل بالموت؟ فيه روايتان: إحداهما، لا تحل إذا وثق الورثة، وهو قول ابن سيرين وعبيد الله بن الحسن وإسحاق وأبي عبيد. وقال طاوس وأبو بكر بن محمد والزهري وسعيد بن إبراهيم: الدين إلى أجله، وحكي ذلك عن الحسن.
والرواية الأخرى: أنه يحل بالموت، وبه قال الشعبي والنخعي وسوار ومالك والثوري والشافعي، وأصحاب الرأي، لأنه لا يخلو: إما أن يبقى في ذمة الميت أو الورثة، أو يتعلق بالمال. ولا يجوز بقاؤه في ذمة الميت لخرابها وتعذر مطالبته بها، ولا ذمة الورثة، لأنهم لم يلتزموها، ولا رضي صاحب الدين بذممهم، وهي مختلفة متباينة. ولا يجوز تعليقه على الأعيان وتأجيله، لأنه ضرر بالميت وصاحب الدين، ولا نفع للورثة فيه. أما الميت، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الميت مرتهن بدينه حتى يقضى عنه)) وأما صاحبه فيتأخر حقه، وقد تتلف العين، فيسقط حقه. وأما الورثة، فإنهم لا ينتفعون بالأعيان ولا يتصرفون فيها. وإن حصلت لهم منفعة فلا يسقط حظ الميت وصاحب الدين لمنفعة لهم) (١) .
ثم ذكر ابن قدامة رحمه الله ترجيحه لمذهب من يقول ببقاء الدين مؤجلًا، إذا وثقه الورثة بكفيل أو رهن، وذكر دلائله.
(١) المغني، لابن قدامة: ٤/٦٨٤؛ كتاب المفلس، وراجع أيضًا الشرح الكبير: ٤/٥٠٢، وراجع لمذهب الحنفية في حلول الدين بموت المدين، خلاصة الفتاوى: ٣/٩٥.