للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الحنفية، فإنهم وإن ذهبوا إلى حلول الدين بموت المدين على قول جمهور الفقهاء المتبوعين، ولكن المتأخرين منهم لم يَفُتْهُمْ النظر إلى أن في المرابحة المؤجلة تكون حصة من الثمن مقابلة لأجل، كما أسلفنا، فلو ألزمنا على تركة المشتري أن يؤخذ منها الثمن كاملًا في الحال قبل حلول الأجل، لصارت الحصة المقابلة للمدة الباقية بدون عوض، وفيه ضرر للمشتري الذي لم يرض بهذا القدر من الثمن إلا إذا كان مؤجلًا بأجل متفق عليه. ولذلك أفتوا بأن المشتري لا يؤدي من ثمن المرابحة في هذه الصورة إلا بقدر ما مضى من الأيام. ونعيد هنا ما قدمناه عن الدر المختار، فقال: (قضى المديون الدين المؤجل قبل الحلول أو مات فحل بموته، فأخذ من تركته لا يأخذ من المرابحة التي جرت بينهما إلا بقدر ما مضى من الأيام، وهو جواب المتأخرين قنية، وبه أفتى المرحوم أبو السعود أفندي مفتي الروم، وعلله بالرفق للجانبين) .

وقال ابن عابدين تحته: (صورته: اشترى شيئًا بعشرة نقدًا، وباعه لآخر بعشرين إلى أجل هو عشرة أشهر، فإذا قضاه بعد تمام خمسة أو مات بعدها يأخذ خمسة، ويترك خمسة) (١) .

والحاصل عندي في هذه المسألة أن جمهور الفقهاء المتبوعين، وإن ذهبوا إلى حلول الدين بموت المدين، ولكن في عمليات البيع بالتقسيط والمرابحة المؤجلة التي يكون حصة من الثمن فيها مقابلة للأجل، لو أخذنا بمبدأ حلول الدين بكامله، لتضرر به ورثة المدين. فينبغي فيها الأخذ بأحد القولين: إما بقول المتأخرين من الحنفية بسقوط تلك الحصة من الدين التي تقابل المدة الباقية من الأجل المتفق عليه، فلا يؤخذ من التركة إلا بقدر ما مضى من الأيام. أو يؤخذ بقول الحنابلة من بقاء الدين مؤجلًا كما كان، بشرط أن يوثقه ورثة المدين بوثيقة معتمدة. ولعل الصورة الأخيرة أولى للبعد عن تذبذب الثمن بآجال مختلفة، الذي فيه مشابهة صورية للمعاملات الربوية.

والله سبحانه وتعالى أعلم، له الحمد في الأولى والآخرة،

وصلى الله تعالى على نبيه وعلى آله وصحبه

وتابعيهم ومن والاهم

القاضي محمد تقي العثماني


(١) رد المحتار على الدر المختار: ٦/٧٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>