للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوثيق المعاملات وتنظيم هذا التوثيق قد سبقتنا إليه – على أي وجه من الوجوه – شرائع قديمة، ولكن الإسلام أقرّه وتوسع فيه ولعله أضاف إلي وسائله الأولى وسائل لم تكن من قبل.

وهذه الوسائل – بالنسبة لنا – مستمدّة من القرآن والسنة وإن اختلف ذكر بعضها عن البعض طولًا وقصرًا أو تفصيلًا وإجمالًا وتأكيدًا وغير تأكيد. وهذه آية الدين وما فيها من الأمر بالكتابة والاستشهاد على الدين أو الرهن به، والإشهاد على البيع، وآيات أخرى وأحاديث مستفيضة في كتب السُنة، جاءت كلها بما ورد في آية الدين على ما سيأتي تفصيله:

وقد ذكر القرطبي في تفسيره مما خرجه الترمذي ورواه أبو داود الطيالسي في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عزَّ وجلَّ: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (١) .

أن أول من جحد آدم عليه السلام إن الله أراه ذريته فرأى رجلًا أزهر ساطعًا نوره فقال: يا رب من هذا؟ قال: هذا ابنك داود، قال يا رب فما عمره؟ قال: ستون سنة. قال: يا رب زده في عمره، فقال: لا، إلَّا أن تزيده من عمرك قال: ما عمري؟ قال: ألف سنة، قال آدم: فقد وهبت له أربعين سنة، قال: فكتب الله عليه كتابًا وأشهد عليه ملائكته، فلما حضرته الوفاة جاءته الملائكة قال: إنه بقي من عمري أربعون سنة، قالوا: إنك قد وهبتها لابنك داود، قال: ما وهبت لأحد شيئًا، قال: فأخرج الله تعالي الكتاب وشهد عليه ملائكته وفي رواية: وأتم لداود مائة سنة ولآدم عمره ألف سنة (٢) .

وقد كان التوثيق ديدن النبي صلى الله عليه وسلم في كل معاملة ذات خطر، وقد ذكرت كتب السير فيما يدل على عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالتوثيق: أن الحصين بن نمير، والمغيرة بن شعبة كانا يقومان للنبي صلى الله عليه وسلم بكتابة المداينات والمعاملات.

ومن أمثلة مكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التوثيق ما كتبه لتميم الداري وأصحابه حيث جاء في نسخته:


(١) سورة البقرة: الآية ٢٨٢.
(٢) تفسير القرطبي: ٣/٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>