(بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله لتميم الداري وأصحابه: إني أعطيتكم عينون، وجيرون، والرطوية، وبيت إبراهيم برمته وجميع ما فيه، عطية بتٍّ، وسلَّمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الآبد فمن أذاهم فيها آذاه الله. يشهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان وكتبه) .
ومثال آخر مما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم وثيقة عتقه لمولاه أبي رافع ونصها:
(بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب من محمد رسول الله لفتاه أسلم – وهو أبو رافع – إني أعتقك لله عتقًا مقبولًا، الله أعتقك وله المنُّ عليَّ وعليك، فأنت حر لا سبيل لأحد عليك إلا سبيل الإسلام وعصمة الإيمان، شهد بذلك أبو بكر، وشهد عثمان، وشهد علي، وكتب معاوية بن أبي سفيان) .
وكما وثق صلى الله عليه وسلم بالكتابة وثق بالرهن وذلك عندما اشترى من يهودي طعامًا – عشرين صاعًا – بثمن مؤجل، ثم رهن عند اليهود درعه على ذلك الثمن وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة. فهذا توثيق بالرهن كما كان التوثيق بالكتابة.
وكذلك روى ابن ماجه أنه عليه السلام ضمن غيره في معاملات مالية، وحكى ما رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما:(أن رجلًا لزم غريمًا له بعشرة دنانير على عهد رسول الله عليه وسلم فقال الغريم: ما عندي شيء أعطيكه، فقال: والله لا أفارقك حتى تفضيني أو تأتيني بحميل ضامن – فجرَّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كم ستنتظره؟ قال: شهرًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحمل- أي أضمن) .
وكذلك ما حكاه النعمان بن بشير من قصة أمه مع أبيه إذ رغبت أمه إلى أبيه بشير أن يخص ولدها النعمان بشيء من عقاره، فلما استجاب لرغبتها طلبت إليه توثيقها بإشهاد الرسول على هذا التخصيص، غير أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل بشيرًا:
هل كل ولدك أعطيت؟ فقال بشير: لا، فامتنع النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الشهادة على ذلك لما فيه من الحيف على بقية أولاد بشير. ولم يكن الاستيثاق في ذاته موضع اعتراض من الرسول صلى الله عليه وسلم.
تلك أنواع من التوثيق سقناها، ويبقى التوثيق بالحلف والتوثيق بالبينة وبالإقرار وبالقرائن. وفي التوثيق طمأنينة المتعاملين من الجحود والمماطلة ونزعات الشر أو حادثة النسيان وعندما تكون المعاملة المالية عارية عن الوثيقة تكون محفوفة بالخوف والقلق، وقد تنتهي إلى لقمة سائغة يستلذها الآخذ ويغص بالحسرة عليها المعطي، وهذه هي الحكمة في مشروعية التوثيق والحث عليه.