وثانيًا: إن علة اشتراط القبض في الرهن، كما ذكره الفقهاء، هو تمكن المرتهن من تسديد دينه ببيع ذلك الشيء عند الحاجة، وإن هذا المقصود حاصل في الرهن السائل على أساس شروط الاتفاقية المعترف بها قانونًا فيحتمل أن يكون القبض الحسي غير لازم في الصورة المذكورة لحصول المقصود في هذه الشروط المقررة.
ثالثًا: المقصود من الرهن هو توثيق الدين وقد أجازت الشريعة لحصول هذا المقصود أن يحبس الدائن ملك المديون ويمنعه من التصرف فيه إلى أن يتم تسديد الدين، فإن رضي الدائن بحصول مقصوده بأقل من ذلك، وهو أن يبقى العين المرهونة بيد الراهن، ويبقى للمرتهن حق التسديد فقط، فلا يرى في ذلك أي محظور شرعي.
رابعًا: إن الرهن السائل فيه مصلحة للجانبين، أما مصلحة الراهن فظاهرة، من حيث إنه لا يحرم من الانتفاع بملكه، وأما مصلحة المرتهن، فمن حيث إنه يحتفظ بحق التسديد دون أن يضمن الشيء المرهون عند الهلاك، غاية الأمر أنه ربما يتضرر به الغرماء الآخرون عند إفلاس الراهن، فإن المرتهن يكون أحق بذلك الشيء ممن سواه من الغرماء، ولكن ضررهم هذا لم يعتبر شرعًا فيما إذا كان الرهن مقبوضًا للمرتهن، وفيما إذا قبضه المرتهن، ثم استعاره الراهن منه، كما تقدم، فتبين أن مجرد هذا الضرر لا يفسد الرهن.
خامسًا: إن القبض على الشيء المرهون ربما يكون متعذرًا في التجارة الدولية، التي يكون البائع فيه ببلد، والمشتري ببلد آخر، والشيء المرهون يتطلب مؤونة كبيرة ونفقات باهظة لتحويله من محل إلى آخر، ولا سبيل لتوثيق الدين في مثل هذه الصورة إلا بالرهن السائل.
وإن هذه الملاحظات الخمس قد تجعلني أميل إلى جواز الرهن السائل، والمسألة مطروحة لدى العلماء للبت فيها، والله سبحانه أعلم،
ثم هناك طريق آخر للتوثيق، وهو الكفالة من طرف ثالث، وهذه المسألة أيضًا لا أحتاج إلى الإطالة فيها لأن موضوع الكفالة واضح ومذكور في كتب الفقه، والبحث لديكم، وما أثيرت فيه من مسائل قد سبق أن قرر فيه المجمع في دورته السابقة، فلا أريد أن أطيل في هذا الموضوع.