للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم المسألة الثانية، وهي مسألة توثيق الدين بالكمبيالة ومدى شرعية خصم الكمبيالة، وقد تكلمت فيه وتكلم فيه الباحثون الآخرون، وكلهم متفقون على أن توثيق الدين بالكمبيالة، لا مانع منه شرعًا، ولكن خصم الكمبيالة كما يقع في البنوك فإنه ربا ولا سبيل إلى القول بجوازه، إما لكونه بيع الدين من غير من عليه الدين، وقد تحدَّث عنه أخونا الدكتور نزيه حماد في بحثه بتفصيل: أن بيع الدين من غير من عليه الدين يجوز عند بعض الفقهاء ولا يجوز عند أكثرهم.

فخصم الكمبيالة هو بيع الدين من غير من عليه الدين، إما أن نقول بمنعه من هذه الجهة أو لأنه من قبيل بيع النقود بالنقود متفاضلة مؤجلًا، وحرمته منصوصة في أحاديث ربا الفضل، فالباحثون كلهم الذين قدموا أبحاثًا في هذا الموضوع متفقون على منع خصم الكمبيالة وعلى أنه ربا ممنوع شرعًا.

ولكن هذه المعاملة يمكن تصحيحها بتغيير طريقها، وذلك أن يوكل صاحب الكمبيالة البنك باستيفاء دينه من المشتري (وهو مصدر الكمبيالة) ويدفع إليه أجرة على ذلك (أجرة على استيفاء الدين) ثم يستقرض منه بعقد آخر منفصل مبلغ الكمبيالة، ويأذن له أن يستوفي هذا القرض مما يقبض من المشتري بعد نضج الكمبيالة، فتكون هناك معاملتان مستقلتان كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى، الأولى معاملة باستيفاء الدين بالأجرة المعينة والثانية معاملة الاستقراض من البنك بدون فائدة، والإذن باستيفاء القرض من الدين المرجو حصوله بعد نضج الكمبيالة، فتصح كلتا المعاملتين على أسس شرعية. أما الأولى فلكونها توكيلًا بالأجرة وذلك جائز، وأما الثانية فلكونها استقراضًا غير شرط زيادة، وهو جائز أيضًا.

ثم المسألة الثانية المعروضة في هذه الدورة، هي مسألة إسقاط الدين مقابل التعجيل وهي مسألة " ضع وتعجل " وربما يعبر عنها بالصلح بالحطيطة، وقد تكلم عن هذه المسألة أكثر الباحثين الذين قدموا أبحاثًا في هذا الموضوع. وكما تعرفون أن هذا الموضوع " ضع وتعجل " لم يزل موضع خلاف بين الفقهاء منذ القديم، وقد ذكر الباحثون مواقف مختلفة للفقهاء وذكرت أن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه من الصحابة وإبراهيم النخعي من التباعين وزفر بن الهذيل من الحنفية وأبو ثور من الشافعية، ذهبوا إلى جواز ضع وتعجل. ولكن روي عن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت من الصحابة رضي الله عنهم، وعن محمد بن سيرين والحسن البصري وابن المسيب والحكم بن عتيبة والشعبي رحمهم الله من التباعين، عدم جواز ذلك، وهو قول الأئمة الأربعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>