تطورت حاجة العصر الحاضر في أنواع التعامل والعقود تطورًا كبيرًا، لعوامل كثيرة تميز بها هذا العصر، منها الابتكارات المذهلة في وسائل الاتصال السريع بين أقطار العالم المتنائية، ومنها الابتكارات الصناعية لأنواع من السلع لا يمكن تصورها في الماضي القريب – بله البعيد - وتؤدي للإنسان منفعة لم يكن ليحلم بها، أو تسهل له خدمة ضرورية كانت شاقة عليه عملًا وكلفة ووقتًا، فإذا بها تصبح أيسر ما يكون.
ومن عوامل تطور حاجات العصر أيضًا نمو علم الاقتصاد وتوسع آفاقه وتعمقها، واكتشاف مؤثرات ومؤشرات فيه ذات دلالة كبيرة الأهمية لم تكن معروفة أو مؤصلة من قبل، مما جعل التعامل التجاري مرتبطًا بالزمن موعدًا ومددًا، ارتباطًا وثيقًا ودقيقًا عظيم التأثير.
كان من نتائج هذه الخصائص التي تميز بها عصرنا هذا عما سبقه ظهور عقود جديدة لوفاء حاجات لم تكن بارزة أو ملحة في عصور فقهائنا الأوائل، كعقود المقاولات في المباني والمصانع الكبرى والمشاريع والمنشآت الضخمة، كما أبرزت هذا العصر أهمية لبعض أنواع التعاقد كانت معروفة بصورة بدائية فأخذت صورة متطورة أخرى كالشركات الحديثة.
وكذلك ظهر في هذا العصر المتطور حاجة إلى أنواع من التعامل كانت الحاجة إليها ضئيلة محدودة في النطاق الشخصي، ولكنها اليوم في عصر المشاريع والصناعة والتمويلات الكبرى والائتمانات الضخمة نرى فيها قابلية لأن تلبي مطالب اقتصادية مهمة، وتحل بعض المشكلات في التعامل لمن يحرصون على التزام قواعد الشريعة الإسلامية وفقهها في معاملاتهم، كبيع السلم وشركة المضاربة. ولعل أهم ما ينطبق عليه ذلك في هذا المجال عقد الاستصناع.