ويلحظ في هذا المقام أن المشاهد في عصرنا أن فقهاء المذاهب الثلاثة التي لا تجيز الاستصناع إلا بطريق السلم يمارسونه عمليًّا في حاجاتهم الخاصة وحاجة أبنائهم من أحذية وملابس وسواها، ولا يجدون منه بدًّا.
وهذا يشبه موقف المخالفين في جواز البيع بالتعاطي، الذي يجيزه الحنفية على تقدير حلول التعاطي بين المتبايعين محل الإيجاب والقبول اللفظيين. فالشافعية كانوا على منعه بحجة عدم انعقاده دون إيجاب وقبول صريحين. ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يضطرون إلى ممارسته عمليًّا في المحقرات. فلم يكونوا يستطيعون أن يتطلبوا الصيغة التعاقدية في شراء حاجاتهم اليومية من البقول والفاكهة واللحم والخبز ونحو ذلك بينهم وبين باعتها. فاضطر المتأخرون من فقهاء المذهب أن يصرحوا بإباحته للحاجة في المحقرات من الأشياء.
والشيء الذي يجب أن لا ينساه الفقيه المفتي أبدًّا، وأن يكون نصب عينيه دائمًا، هو المقاصد العامة للشريعة مما هو مفصل في مواطنه من كتب الأصول والفقه، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه:" إنَّ الدينَ يُسرٌ، ولن يُشَادَّ هذا الدينَ أحدٌ إلَّا غَلَبَهُ ".
هذا عن حكم الاستصناع بمعنى مشروعيته.
أما حكم الاستصناع بمعنى أثره الذي يترتب عليه بين العاقدين فهو أن يستحق المستصنع على الصانع أن يأتيه بالشيء المطلوب المعقود عليه موافقًا للأوصاف المبينة في العقد، وأن يستحق الصانع على المستصنع الثمن المتفق عليه متى جاء به مصنوعًا كذلك. وبتعبير آخر في اصطلاح علماء القانون الوضعي: أن يلتزم كل من الطرفين بما يتعلق به من محل العقد، باعتبار أن كلًّا من العوضين في عقود المعاوضة هو محل للعقد.