للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكييف خطاب الضمان:

إن خطاب الضمان هو (كفالة محضة) ، وذلك في الصورة العامة له سواء أكان بأمر المكفول أو بدون أمره، على أنه إذا كان هناك غطاء للضمان مقدم من طالب الضمان، فإنه تنشأ علاقة أخرى بين الطالب للضمان وبين مصدره فقط، وهي علاقة (وكالة) بالدفع عند وجود ما يقتضيه وهو المطالبة بالالتزام. وليس بمستغرب تباين العلاقة والتكييف من وجهات مختلفة، فكثير من العقود تأخذ طبيعة من حيث اللزوم أو عدمه، أو تأخذ عدة اعتبارات من حيث نوع التكييف، تبعًا لطرف دون آخر.

ففي الكفالة المدفوع إلى الكفيل بدلها يجوز تخصيص أجر له من طالب الضمان (الكفول) انطلاقًا من تكييف علاقتهما بالوكالة –للاستغناء هنا عن الرجوع بما أدى الكفالة – فلم يبق إلا نهوض قابض المبلغ بأدائه عند الحاجة وهو عمل يصح أن يكون محلًا للتوكيل، والوكالة مشروعة بأجر وبدونه. أما العلاقة بين الكفيل (مصدر خطاب الضمان) وبين المكفول له (المستفيد) فهي كفالة. انسجامًا من شغل الذمة لصالح ذلك المستفيد.

أما في هذه الصورة الخاصة فالكفالة هي حقيقة خطاب الضمان سواء كانت بطلب الأمر بالكفالة أم بغير طلب. ولابد هنا من مناقشة الدعوى بأن الكفالة بالأمر هي وكالة، بحجة أن الكفيل ينفذ ما أمر به من الأداء (ولو لم يكن قد قبض مقابله..) فهو يؤدى عملًا.. وهي دعوى غريبة عن منطق الفقه، لأنها تعمد إلى تفريغ الكفالة من جميع تطبيقاتها أو معظمها، لأن معظم الكفالات تتم بالأمر، بالاحتفاظ بحق الرجوع عند من يشترط وجود الأمر لوجود حق الرجوع. وفات أصحاب هذه الدعوى أن الكفالة لها حقيقة شرعية تميزها عن الوكالة، وهي شغل الذمة، والوكالة بالأمر فيها شغل واضح للذمة أما الوكالة بالأداء فهي التزام بين المدين ووكيله وليس شغلًا للذمة تجاه الدائن إلا إذا وجد التصريح بالكفالة أو الضمان، حيث يصبح للدائن محلأن لدينه هما ذمة المكفول (المدين) وذمة الكفيل.

وقد جاء في كلام بعض الفقهاء من الذين يرون أن الأصل في الكفالة الرجوع بما أداه الكفيل – (كابن قدامة المغنى) تشبيه الكفالة بالوكالة لأن الكفالة تتضمن إقرارًا بالأداء فتستتبع حق الرجوع، وهذا ما تعلق به بعض الكتاب لتأييد هذه الدعوى الغريبة التي تجعل الكفالة خالية من المضمون بإدراج معظم تطبيقاتها في الوكالة (بالنسبة لجميع الأطراف) مع أن الغرض من هذا التشبيه (والتشبيه غير الحقيقة) هو اشتمال طلب الكفالة على طلب الأداء ومن ثم على الاستعداد للأداء للكفيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>