للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي الخلط، وإنما يجب الحكم على هذه المسائل التي ذكرت مع الاستصناع على ضوء العقود التي تندرج فيها تلك.

وبعد هذا التحرير والتفصيل نقول: (إن الاستصناع الذي هو خاص مستقل) هو ما إذا طلب المستصنع من الصانع صنع شيء معين موصوف في الذمة خلال فترة محددة قصيرة أم طويلة، وسواء كان المستصنع عين المصنوع منه بذاته أم لا، وسواء كان المصنوع منه موجودًا أثناء العقد أم لا.

وبعبارة موجزة: إن محل عقد الاستصناع هو العمل والعين من الصانع.

فهذا العقد بهذه الصورة ليس بيعًا ولا إجارة، ولا سلمًا ولا غيرها، وإنما هو عقد مستقل له شروطه الخاصة به، وخصائصه وآثاره الخاصة به ولا ينبغي صهره في بوتقة عقد آخر، يقول الإمام السرخسي: (اعلم أن البيوع أربعة: بيع عين بثمن ... وبيع دين في الذمة بثمن وهو السلم ... ، وبيع عمل، العين فيه تبع وهو الاستئجار للصناعة ونحوها ... فالمعقود عليه الوصف الذي يحدث في المحل بعمل العامل ... والعين هو الصبغ بيع فيه ... وبيع عين شرط فيه العمل ... وهو الاستصناع فالمستصنع فيه مبيع عين) (١) فهذا النص واضح جدًّا في الدلالة على أن الاستصناع مثل السلم والإجارة، فكما أنهما مستقلان، فكذلك الاستصناع، وإن كان لفظ البيع (بعمومه اللفظي) يشمل الجميع.

وعلى ضوء ذلك فالاستصناع عقد مستقل خاص، محله العمل والعين معًا، وبذلك يمتاز عن البيع الذي محله العين، وعن الإجارة التي محلها العمل، وعن السلم الذي محله هو الذمة، أو العين الموصوفة في الذمة، إضافة إلى ملاحظة كل هذه الفروق التي ذكرناها عند مناقشتنا في الأقوال السابقة، جاء في المحيط البرهاني: " إن المستصنع طلب منه العمل والعين جميعًا فلابد من اعتبارهما جميعًا) (٢) .


(١) المبسوط: ١٥/٨٤- ٨٥.
(٢) المحيط البرهاني، مخطوطة مكتبة الأوقاف: ج ٢ ورقة ٥٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>