للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآثار الصحابة تشهد على ذلك، بل يقول ابن تيمية: (إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان – من الواجبات التي اتفقت عليها الملل، بل العقلاء جميعهم) (١) .

ثم إن أساس العقود هو التراضي، وموجبها هو ما أوجبه العاقدان على أنفسهما.

وقد استدل الظاهرية بأدلة لا تنهض حجة على دعواهم (٢) وإذا ثبت رجحان قول الجمهور فيكون من المشروع إحداث أي عقد جديد وإن لم يكن موجودًا في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة والفقهاء ما دام لا يخالف نصًّا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وعلى ضوء ذلك فعقد الاستصناع – كعقد مستقل – له وجاهته في اعتباره ومشروعيته ناهيك عن الأدلة الخاصة بمشروعيته، ثم إن عقد الاستصناع يتضمن العقد على العمل، والعين في الذمة، وكل واحد منهما صالح لأن يكون معقودًا عليه، وكذلك الأمر بمجموعهما.

أما الأدلة الخاصة على مشروعية الاستصناع فمنها الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره بسندهم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب (٣) كما استدل الحنفية بالإجماع العملي من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون نكير وتعامل الناس بهذا العقد، وحاجة الناس إليه (٤) .

والخلاصة: إن عقد الاستصناع – بهذا المعنى الخاص – عقد مستقل له كيانه الخاص، وشروطه الخاصة وآثاره الخاصة.

والاستصناع باعتباره عقدًا لابد من توافر أركانه، وهي العاقدان والمعقود عليه – أي ثمن والمستصنع – والإيجاب والقبول أي ما يدل على الرضا من قول، أو فعل أو إشارة، أو كتابة (٥) وكذلك له شروطه العامة مما ذكره الفقهاء من شروط العقد، من أهلية التعاقد، وعدم وجود عيوب الرضا، وعدم الفصل الكثير بين الإيجاب والقبول، وأن يكون المحل حلالًا، ونحو ذلك.


(١) مجموع الفتاوى: ٢٩/١٥٤؛ والقواعد النورانية: ص٥٣.
(٢) يراجع لمزيد من أدلة الجمهور والظاهرية مع المناقشة والرتجيح، مبدأ الرضا في العقود: ٢/١١٤٨ - ١١٦٤
(٣) صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب الأيمان: ١١/٥٣٧؛ وأحمد: ٣/١٠١.
(٤) بدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٨
(٥) يراجع: في التفصيل وسائل التعبير عن الإرادة: مبدأ الرضا في العقود: ٢/٨٣٣؛ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>