للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب أبو يوسف ومحمد إلى أن هذا ليس بشرط، بل هو استصناع على حال سواء ضرب له أجل أم لا.

وقد استدل أبو حنيفة بأنه إذا ضرب فيه أجل فقد أتى بمعنى السلم إذ هو على مبيع في الذمة مؤجلًا، والعبرة في العقود لمعانيها لا لصور الألفاظ، ألا ترى أن البيع ينعقد بلفظ التمليك، وكذا الإجارة ... ولهذا صار سلمًا فيما لا يحتمل الاستصناع، كذا هذا، ولأن التأجيل يختص بالديون، لأنه لو وضع لتأخير المطالبة، وتأخير المطالبة إنما يكون في عقد فيه مطالبه، وليس ذلك إلا السلم، إذ لا دين في الاستصناع، ألا ترى أن لكل واحد منهما خيار الامتناع عن العمل قبل العمل بالاتفاق، ثم إذا صار سلمًا يراعى فيه شروط السلم فإن وجدت صح، وإلا فلا (١) .

واستدل الصاحبان بأن العادة جارية بضرب الأجل في الاستصناع وإنما يقصد به تعجيل العمل، لا تأخير المطالبة، فلا يخرج به عن كونه استصناعًا، أو يقال قد يقصد بضرب الأجل تأخير المطالبة، وقد يقصد به تعجيل العمل فلا يخرج العقد عن موضوعه مع الشك والاحتمال بخلاف ما لا يحتمل الاستصناع، لأن ما لا يحتملالاستصناع لا يقصد بضرب الأجل فيه تعجيل العمل فتعين أن يكون لتأخير المطالبة بالدين وذلك بالسلم (٢) .

والذي يظهر رجحانه قول الصاحبين، بل إننا نرى ضرورة وجود المدة في العقد، وذلك لأن عقد الاستصناع عقد قائم على العمل والعين المؤجلين عادة، وكل ما هو شأنه لابد فيه من تحديد المدة لئلا يؤدى إلى النزاع والخصام وذلك لأن الصانع قد يتأخر في التنفيذ، والمستصنع يريد التعجيل، فإذا لم يكن في العقد تحديد للمدة أدى بلا شك إلى نزاع، وعلماؤنا اتفقوا على صنع كل ما يؤدي في العقود إلى النزاع، ولذلك منعوا الجهالة الفاحشة في المعاوضات، لأنها تؤدي إلى النزاع، فكذلك الأمر، في تعميم المدة حيث يؤدي إلى نزاع شديد، إذن لابد أن يمنع، ويوجب التحديد، ثم إذا حددت المدة يجب الالتزام بها بأن يكمل المصنوع قبل انتهائها، أما إذا انتهت دون إكمال الشيء المستصنع فإن للمستصنع – بالكسر – حق الفسخ (٣) ، كما هو الحال في شأن كل العقود التي يحدد فيها الوقت.


(١) بدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٩ وقد نصت المادة ٣٨٩ من المجلة على أن (كل شيء تعومل استصناعه يصح فيه الاستصناع على الإطلاق، وأما ما لم يتعامل باستصناعه إذا بين فيه المدة صار سلمًا، وتعتبر فيه حينئذ شروط السلم، وإذا لم يبين فيه المدة كان من قبيل الاستصناع أيضا)
(٢) بدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٩ وقد نصت المادة ٣٨٩ من المجلة على أن (كل شيء تعومل استصناعه يصح فيه الاستصناع على الإطلاق، وأما ما لم يتعامل باستصناعه إذا بين فيه المدة صار سلمًا، وتعتبر فيه حينئذ شروط السلم، وإذا لم يبين فيه المدة كان من قبيل الاستصناع أيضا)
(٣) الأستاذ الجليل مصطفى الزرقاء، عقد البيع: ص١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>