للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما من حيث الاعتبار الثاني:

فقد اختلفت أنظار الأئمة فيه إلى ثلاث اتجاهات:

الأول – أنه لازم في حق الجانبين ولو قبل عمل المصنوع وإرادته للمستصنع.

قال الشرنبلالي في حاشيتة على درر الحكام المسمَّى غنية ذوي الأحكام في بغية درر الحكام تعليقًا على قوله: (وله أي للأمر الخيار) أي، دون الصانع وهو الأصح. وعن أبي حنيفة أن الصانع له الخيار وعن أبي يوسف لا خيار لواحد منهما – كذا في الهداية (١) . – وبهذا الرأي القائل باللزوم في حق الصانع والمستصنع أخذت مجلة الأحكام العدلية: نصت المادة ٣٩٢ إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة كان المستصنع مخيرًا.

قال الشارح علي حيدر: فإذا انعقد فليس لأحد العاقدين على رواية أبي يوسف الرجوع عنه بدون رضا الآخر، فيجبر الصانع على عمل الشيء المطلوب وليس له الرجوع عنه لأن الذي يبيع مالًا لم يرد له خيار، وكذلك ليس للمستصنع أن يرجع عنه لأنه لو جعل له الخيار لَلَحِقَ البائع أضرار لأنه قد لا يرغب في المصنوع أحد غير المستصنع (٢) .

وقال الأستاذ منير القاضي في شرحه على المجلة: هو عقد لازم ليس لأحد العاقدين الرجوع فيه. ثم قال: ولا يخفى أن مسلك المجلة هو الأوفق للمصلحة كما أنه أقرب إلى القواعد الفقهية فإن الاستصناع بيع والبيع من العقود اللازمة، كما أن توصيف المستصنع وبيان ما يعينه مُنَزَّل منزلة رؤيته فلا يبقى للمشترى خيار رؤية أيضًا، لأن المقصود من الرؤية حصول العلم وقد حصل ذلك بذكر أوصافه وقدره وجنسه ونوعه.

فإذا أتى الصانع بالمصنوع على الصفة المشروطة يكون ملكًا للمستصنع ملكًا لازمًا فليس له الرجوع كما أنه ليس للصانع أن يبيعه لآخر بعد أن أراه للمستصنع أما قبل إراءته إياه فيجوز له بيعه لآخر وعمل غيره للمستصنع وإذا كان الصانع قد أتى بالمصنوع لا على الأوصاف المطلوبة المبينة في العقد كان المستصنع مخيرًا بين قبوله ورده مع تكليف الصانع بتسليمه مصنوعًا موافقًا للأوصاف المطلوبة عند العقد (٣) .

وقال المحاسني في شرحه على المادة (٣٩٢) وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة كان المستصنع مخيرًا بخيار العيب أو بخيار الوصف إذا كان النقص من قبيل الوصف إن شاء قبله وإن شاء ردَّهُ، وليس للمستصنع خيار الرؤية عند أبي يوسف، وقد أخذت المجلة بقول الإمام المشار إليه (٤) .


(١) ٢/١٩٨.
(٢) ١/٣٦١.
(٣) شرح المجلة، لمنير القاضي: ١/٢٠٨.
(٤) شرح مجلة الأحكام العدلية، لمحمد سعيد المحاسني.

<<  <  ج: ص:  >  >>