٣- لكن المشاهد أن الضامن لو بقي يقدم طوعا وتبرعا بدون أجر ولا التزام لتعسر على كثير من الناس في أيامنا هذه الحصول عليه، وإن أمكنهم فقد لا يتم لهم ذلك في الوقت المطلوب. أو بالحجم المطلوب. كما أن الناس يتفاوتون في إقدامهم على طلب الضمان، فهناك الفقير، وهناك الغني، وهناك التاجر الذي يحتاج إلى عدد غير قليل من الكفالات لتسهيل أعماله في الوقت المطلوب. وبالحجم المنشود، دون عناء، ولا طلب إحسان أو معروف.
٤- فيا ترى لو قامت خدمة منظمة لهذا الضمان، قام أناس متفرغون لها، فتكبدوا الجهود والأموال والأوقات في سبيل إدارتها وتنظيمها، ولم تكن لهم موارد اخرى للعيش، فهل يمكنهم أن يأخذوا من الأجور ما يسمح لهم باسترداد ما أنفقوه. وزيادة ربح يليق بعملهم وعمل أمثالهم؟
علمًا بأن هذا الأجر ليس أجرا على الضمان، لأن ذلك حرام شرعًا. إنما هو أجر يتقاضاه الضامن من المستفيد، لقاء أعمال تنظيم هذا الضمان وإدارته بما يليق بمستوى العصر، ,بما يلبى حاجات الناس والتجار المتزايدة إليه، وربما يكفل لصاحبه الاستمرار في حرفته، في ظل المنافسات الداخلية والخارجية، القائمة على استخدام أحدث الأساليب الفنية والتنظيمية، وأحدث الأدوات والآلات لتوفير متطلبات الدقة والسرعة المطلوبتين في عالمنا المتطور بسرعة مذهلة.
٥- وقد سبق لفقائهنا أن أجازوا مثل ذلك الأجر للإمام والخطيب والمؤذن والشاهد والمعلم إذا احترفوا ذلك، ولم تكن لهم موارد أخرى يعيشون منها، ولم يقم بها أحد تبرعا وتطوعا، فإذا ما أخذوا عليها أجرا أو رزقا توجب عليهم القيام بها، فصارت واجبا ووظيفة، بعد أن كانت ندبا واستحبابا، وصارت فرض عين بعد أن كانت فرض كفاية.
٦- وبعبارة أخرى، ترى هل من فرق في الحكم الشرعى على القربات بينما إذا كانت موضع اكتساب مدنى عارض، أو موضع احتراف تجاري منظم؟
لو اتفقت مع حمال أن يحمل لك متاعك إلى السيارة بمبلغ معين، فأمر هذا الحمال حمالا آخر. صبيا مثلا، أن يقوم بهذه المهمة بنصف المبلغ، واقتطع النصف الآخر لنفسه، ألا ترى أنك تجد في نفسك، حيث لا ترى أن هذا "المعلم" قدم مالا ولا عملا حتى يستحق هذا الربح ويطيب له؟
لكن لو أتخذ هذا المعلم دكانًا. واستأجر عقارًا، وجمع عنده الأجراء، أو أسس شركة صنائع، أو اشترى العدد والآلات للقيام بعمله، فزادت بذلك مخاطرته، ووضح نشاطه الأداري والتنظيمي والإشرافي، ألا تشعر بأنك تسخو له بهذا الفرق وأكثر منه؟ بل إنك لا تعود تحس بهذا الفرق أبدًا، لأنه لا يأخذ منك ليعطي آخر بهذه الصورة البدائية التي يكسب فيها على الفور وعلى المضمون وبلا مخاطر معتبرة ولا عمل محترم ولا مال مقدم.