كذلك لو أعطاه فأسا للإحتطاب، أو شبكة للإصطياد، لقلنا: أن الحطب للمحتطب، والصيد للصائد، ولصاحب الفأس أو الشبكة أجر أداته، لكن لو قامت مؤسسة منظمة لهذا العمل، لها رأس مالها ومديروها وعمالها وآلاتها، هل يمكن أن نستمر فنقول: أن الصيد للصائد (المباشر) . وإن الحطب للحاطب. وأن النفط للعامل؟ أم هو لرب العمل، وللعامل أجره؟
كذلك الأمر في عقد الاستصناع الذي أجاز فيه الحنفية، بالمقارنة مع السلم، عدم تحديد أجل المبيع، وعدم تعجيل الثمن (انظر على سبيل المثال المادة ٣٨٩ و ٣٩١ من مجلة الأحكام العدلية) ، بل عدم تحديد الثمن (انظر شرح المجلة لعلى حيدر ١/٣٩٥) .
ألا ترى أنهم لم يجيزوه إلا فيما جرى عليه العرف والتعامل، نعم إنهم لم يجيزواالاستصناع إلا بعد عموم الحاجة إليه واحترافه في بعض البلدان، في بعض السلع المصنوعة.
هذا والمجلة تعتبر تقنينا، أخرج الفقه من حيز النظرية والالتزام الفردى إلى حيز التطبيق والالتزام العام، إذ ليس كل فقه نظرى يكون قابلًا للعمل به.
هل يعنى هذا أن الاحتراف المنظم قد يغير الحكم أحيانًا عما لو بقى الأمر في حدود الاكتساب البدائي، لأن أهله قد انتقلوا إلى أهل الخبرة والبصيرة بتقديم خدمات تجارية منتجة ومفيدة، لمجتمع تطلبها وتعارف عليها؟
٧- لعل هذا التخريج للضمان يكون أفضل مما ذهب إليه البعض من تجويز أجر الضمان المصرفي من طريق الوكالة التي يضمنها هذا الضمان، أو من طريق القول بجواز ثمن الجاه أو أجره.
٨- وهذا لا يعفي طبعا من قيام الأفراد من تلقاء أنفسهم ببذل خدمات الكفالة لمن يحتاج إليها من أقربائهم أو جيرانهم أو أصدقائهم أو إخوانهم، في حدود الطاقة، كما لا يمنع من قيام تنظيمات خيرية أو تعاونية (بلا أرباح) أو حكومية (ضمن قطاع المرافق العامة) تنافس تلك التنظيمات التجارية، وتؤدى خدماتها لمن يلجأ إليها (مع ملاحظة اختلاف درجة الكفاءة بين التجاري والحكومي والتعاوني والخيري) ، حتى إذا ما أثبتت كفاءتها وجدراتها وقدرتها على إشباع حاجات الناس، أمكن لها أن تحل بالتدريج محل الأولى، في تلبية هذه الحاجات والمصالح. والله أعلم بالصواب.