للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وقد رجح المذهب جواب ظاهر الرواية، فقال الكاساني هو الصحيح، لأن في إثبات الخيار للصانع ما شرع له الاستصناع، وهو دفع حاجة المستصنع، لأنه متى ثبت الخيار للصانع، فكل ما فرغ عنه يتبعه من غير المستصنع، فلا تندفع حاجة المستصنع.

* ورد على قول أبي يوسف بقوله:

وأما قول أبي يوسف أن الصانع يتضرر بإثبات الخيار للمستصنع مسلم، ولكن ضرر المستصنع بإبطال الخيار فوق ضرر الصانع بإثبات الخيار للمستصنع لأن المصنوع إذا لم يلائمه وطولب بثمنه لا يمكنه بيع المصنوع من غيره بقيمة مثله، ولا يتعذر ذلك على الصانع، لكثرة ممارسته وانتصابه لذلك.

ولأن المستصنع إذا غرم ثمنه، ولم تندفع حاجته لم يحصل ما شرع له الاستصناع وهو اندفاع حاجته، فلا بد من ثبوت الخيار للمستصنع، والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الموفق (١) .

فإن سلم إلى حداد حديدا ليعمل له إناء معلوما بأجر معلوم، أو جلدا إلى خفاف ليعمل له خفافًا معلومًا بأجر معلوم فذلك جائز، ولا خيار فيه، لأن هذا ليس باستصناع بل هو استئجار، فكان جائزًا.

فإن عمل كما أمر استحق الأجر، وإن أفسد فله أن يضمنه حديدا مثله، لأنه لما أفسده، فكأنه أخذ حديدا له، واتخذ منه آنية من غير إذنه، والإناء للصانع لأن المضمونات تملك بالضمان.

* وهذا غير ما نحن فيه، إذ ما نحن فيه (عقد الاستصناع) هو أن الشيء محل عقد الاستصناع يتكون من مادة وصنعة، وكلاهما من عند الصانع، ولذلك افترقا فهذا عقد استصناع وأما الآخر فعقد إجارة كما أسلفنا.

الترجيح:

وأرى رجحان ما انتهى إليه المذهب من أن خيار الصانع سقط بعد إحضار السلعة إلى المستصنع، وثبت خيار الرؤية للمستصنع، لأنه يشتري ما لم يره.


(١) بدائع الصانع: ٥/٢-٤

<<  <  ج: ص:  >  >>