للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي قاعدة بنى عليها مالك وأصحابه قال ابن العربي في أحكام القرآن: والاستحسان عندنا وعند الحنفية هو العمل بأقوى الدليلين والعموم إذا استمر والقياس إذا اطرد فإن مالكًا وأبا حنيفة يخصصان العموم بأي دليل كان من ظاهر أو معنى ويستحسن مالك أن يخص بالمصلحة ويستحسن أبو حنيفة أن يخص بقول الواحد من الصحابة الوارد بخلاف القياس ويريان معًا تخصيص القياس ونقض العلة ولا يرى الشافعي لعلة الشرع إذا ثبت تخصيصًا وهذا الذي قال هو النظر في مآلات الأحكام من غير اقتصار على مقتضى الدليل العام والقياس العام. وفي المذهب المالكي من هذا المعنى كثير جدًّا والاستحسان في العلم قد يكون أغلب من القياس قال ابن العربي وقد سمعت ابن القاسم يقول ويروي عن مالك أنه قال: تسعة أعشار العلم الاستحسان وهذا كله يوضح أن الاستحسان غير خارج عن مقتضى الأدلة إلا أنه نظر إلى لوازم الأدلة ومآلاتها (١) وقاعدة الاستحسان نشأت من أصل عظيم متين العرى هو النظر في مآلات الأفعال الذي هو مجال للمجتهد صعب المورد وإن كان عذب المذاق محمود الغب يدل عليه أن التكاليف الشرعية شرعت لمصالح العباد وهي إما أخروية فترجع إلى مآل المكلف في الآخرة ليكن من أهل النعيم وإما دنيوية فالأعمال عند التأمل مقدمات لنتائج المصالح وأنها أسباب لمسببات مقصودة للشارع والمسببات هي مآلات الأسباب واعتبارها وجريان الأسباب مطلوب وهو النظر في المآلات الذي تفرع عليه قاعدة مراعاة الخلاف والحيل وسد الذرائع والاستحسان وقد اختلفت الآراء هل الاستصناع بيع أو وعد بيع؟ وقد رأى بعض الفقهاء أنه بيع يثبت فيه الخيار للمشتري وفيه أيضًا خيار الرؤية وثبوت الخيار للمشتري للرد بالعيب لا يكون إلا في البياعات اللازمة التي يجري فيها التقاضي بين البائع والمشتري والتقاضي إنما يجري في الواجب لا في الموعود لأن الموعود غير لازم وهذا كله يرجح أن يكون الاستصناع بيعًا من البيوع وليس مواعدة نعم هو بيع مبنى على الخيار وهذا مذهب محمد من الحنفية حيث ذكر في جواز بيع الاستصناع القياس والاستحسان وهناك من يرى أنه مواعدة وليس ببيع بدليل أن الصانع بالخيار في العمل إن شاء عمل وإن شاء ترك وبهذا يظهر أن الاستصناع وعد لا بيع لأن كل ما لا يلزم به الصانع مع إلزامه بنفسه به يكون وعدًا لا عقدا فالارتباط بين الصانع والمستصنع ارتباط مواعدة لا ارتباط بيع وحجته أنه مواعدة وليس بيعًا أن الصانع لا يجبر على الصنعة وإن ألزم نفسه بها بخلاف السلم مثلًا فإن البائع إذا قبض الثمن فقد التزم بالمسلم فيه عند الأجل فوجب عيه وأجير على ما التزم به ومن جهة أخرى فالمستصنع له الحق في عدم تقبل المصنوع كما له أن يرجع عما استصنعه قبل تمامه ورؤيته وكل هذا علامة على أنه مواعدة لا بيع.


(١) الموافقات: ٤/١٠٣ ـ ١٠٩، طبعة بولاق ١٣٠٢هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>