والفرق بين اللزوم والإلزام أن الإلزام هو إيجاب تنفيذ التزامات التعاقد من الجانبين وهي من أثر العقد، أما اللزوم فهو عدم استطاعة فسخ العقد إلا بالتراضي، وهو المسمى بالإقالة وهو في الواقع بيع إذ شرطه الرضا، ويكتسب العقد صفة اللزوم عند الحنفية والمالكية بمجرد تمام العقد وهو ما أخذت به القوانين وجرى عليه القضاء، أما عند الشافعية والحنابلة فلا يكسب العقد صفة اللزوم إلا بعد انقضاء مجلس العقد بأبدانهما عملًا بحديث خيار المجلس وبما نقلنا ندرك سبب الخلاف بين الفقهاء في أن الاستصناع بيع أو وعد ببيع فمن ذكر في جوازه القياس والاستحسان جعله بيعًا وأثبت فيه خيار الرؤية الذي من مختصات البيعات وأكد أنه بيع حيث يجري فيه القضاء والتقاضي إنما يكون في اللازم الواجب لا في الموعود ومن رأى أنه وعد نظر إلى اختيار الصانع في العمل وعدمه بناء على أن المواعدة لا تلزم الذمة وأن من التزم شيئًا لزمه وذلك إنما يكون بالشروع فيه وذلك هو الفرق بين الاستصناع والسلم فإن السلم يجبر بما التزم به من تسيم المسلم فيه والمستصنع له الحق في عدم قبول ما يأتي به الصانع وله أن يرجع عما استصنعه قبل تمامه ورؤيته وكل ذلك علامة على أنه وعد لا عقد؛ لأن من أثر العقود اللزوم ومن أثر المواعدة عدم اللزوم.
وكما تردد الفقهاء في كون الاستصناع بيعًا أو هو وعد بيع كذلك اختلفوا في كونه بيعًا أم إجارة فرأي أكثر الحنفية والحنابلة أن الاستصناع بيع وعدوا الاستصناع من أنواع البيوع وعرفوه بأنه بيع عين شرط فيه العمل كما في المبسوط للسرخسي حين بين أنواع البيوع وجعلها أربعة وجعل الاستصناع بيع عين شرط فيه العمل، ثم قال فالمستصنع فيه مبيع عين ولهذا ثبت فيه خيار الرؤية والعمل مشروط فيه لأن هذا النوع من العمل اختص باسم فلا بد من اختصاصه بمعنى يقتضيه ذلك الاسم (١) وفي البدائع أن الاستصناع بيع لكن للمشتري الخيار فيه خيار الرؤية فهو حينئذ بيع إلا أنه ليس على إطلاقه وبذلك خالف البيع المطلق في اشتراط العمل في الاستصناع.