للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعروف أن البيع المطلق لا يشترط فيه العمل وذهب آخرون إلى أن الاستصناع إجارة محضة وهو قول أبي سعيد البرادعي وغيره فالمعقود عليه عنده هو العمل لأن الاستصناع طلب الصنع وهو العمل قال ولو كان بيعًا لما بطل بموت أحد المتعاقدين لكنه يبطل بموت أحدهما ذكره في جامع قاضيخان. وأجاب آخرون بأن للاستصناع شبهًا بالإجارة من حيث إن فيه طلب الصنع وهو العمل، وشبهًا بالبيع من حيث إن المقصود منه العين المستصنع فلشبهه بالإجارة قلنا يبطل بموت أحدهما ولشبهه بالبيع هو المقصود أجرينا فيه القياس والاستحسان وأثبتنا خيار الرؤية ولم نوجب تعجيل الثمن في مجلس العقد كما في البيع (١) وذهب آخرون إلى أنه إجارة ابتداء وبيع انتهاء كما في الذخيرة لكن قبل التسليم لا عند التسليم بدليل أنهم قالوا إذا مات الصانع يبطل، ولا يستوفى المصنوع من تركته. ذكره محمد في كتاب البيوع. فإن قيل انعقد إجارة أجبر الصانع على العمل وأجبر المستصنع على إعطاء المسمى؟ فالجواب أنه لم يجبر لأنه لا يملكه إلا باتلاف عين له من قطع الأديم ونحوه والإجارة تفسخ بهذا العذر والمستصنع ولو شرط تعجيله لجاز لأن هذه الإجارة في الآخرة كشراء ما لم يره والاستصناع للحاجة وهي في الجواز لا اللزوم، ولهذا كان للصانع أن يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع لأن العقد غير لازم، أما بعدما يراه فالأصح أنه لا خيار للصانع بل إذا قبله المستصنع أجبر عي دفعه لأنه بالآخرة بائع (٢) والاستصناع باعتباره عقدًا مستقلًّا جائز مشروع عند أكثر الحنفية على سبيل الاستحسان ومنعه زفر من الأحناف أخذًا بالقياس إذ قد ورد النهي عن بيع المعدوم وبيع ما ليس عندك كما تقدم، والصحيح الجواز استحسانًا فقد استصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاتم ففي النهاية في غريب الحديث استصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب. قال صاحب الاعتبار (٣) هذا حديث صحيح ثابت وله طرق في الصحاح عدة وفي البدائع الإجماع من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاستصناع من دون نكير وتعامل الناس بهذا العقد والحاجة الماسة إليه وفي الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الجوزي الحنبلي: نص الحنابلة على أنه لا يصح استصناع سلعة لأنه بيع ما ليس عندك على وجه غير السلم وقيل يصح بيعه إلى المشتري إن صح الجمع بين بيع وإجارة منه بعقد واحد لأنه بيع وسلم (٤) يصح الاستصناع عند المالكية والشافعية والحنابلة على اعتبار أنه عقد سلم ويشترط فيه ما يشترط في السلم التي من بينها تسليم جميع الثمن في مجلس العقد. ويصح عند الشافعية سواء حدد فيه الأجل لتسليم المصنوع أم لا، نص عليه السيوطي (٥) وحيث جرى على الاستصناع عمل الناس واستحسنوه كان ذلك دليلًا على جوازه وصحته يشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" (٦) وما رواه ابن مسعود من قوله عليه السلام: ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن (٧) وبالرغم من أن الاستصناع كالسلم ففرق بينهما فهو كالسلم من حيث أنه بيع معدوم أجيز للحاجة ولتعامل الناس به وللعرف اعتباره ولكن هناك فروق بينهما أهمها:


(١) فتح القدير وشرح العناية على الهداية: ٥/٣٥٦، وفتح القدير: ٥/٣٥٧
(٢) البدائع: ٦/٢٦٧٨
(٣) الاعتبار: ص ١٨٧، طبعة المنبرية.
(٤) الأنصاف: ٤/٣٠٠
(٥) الأشباه والنظائر للسيوطي: ص٨٩
(٦) رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة عن أبي خيثمة عن أبي بصرة الغفاري مرفوعًا
(٧) رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير

<<  <  ج: ص:  >  >>