للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق بين الطوارئ الحادثة غير المتوقعة وبين القوة القاهرة هو أن الطوارئ الحادثة غير المتوقعة يصبح تنفيذ الالتزام التعاقدي مرهقًا يجاوز حدود السعة دون أن يكون مستحيلًا وأما القوة القاهرة فهي التي تتحقق فيها الاستحالة ونظرية الطوارئ غير المتوقعة تستجيب لحالة ملحة تقتضيها العدالة فهي تستهدف بالنقد باعتبارها مدخلًا لتحكم القاضي ولم تترك هذه الطوارئ لتقدير القاضي تقديرًا ذاتيًّا وشخصيًّا بل قيد ذلك بأن اقتضت العدالة ذلك وهي عبارة تشير إلى توجيه موضوعي النزعة وعليه فإذا تثبت القاضي من قيام الطوارئ غير المتوقع عمد إلى إعمال الجزاء برد الالتزام الذي أصبح يجاوز السعة إلى الحد المعقول وشرط الحادثة الطارئة أن تكون حادثة استثنائية عامة كالفيضان مثلًا والجراد ونحو ذلك مما لا يختص بالشخص كالحريق مثلًا. ثم نظرية الطوارئ غير المتوقعة تختلف عن نظرية القوة القاهرة في أن الطارئ غير المتوقع لا يجعل التنفيذ مستحيلًا بل يجعله مرهقًا يجاوز السعة دون أن يبلغ به حد الاستحالة ويستتبع ذلك قيام فارق آخر يتصل بالجزاء فالقوة القاهرة تقضي على انقضاء التزام وعلى هذا النحو يتحمل تبعاتها كاملة. أما الطارئ غير المتوقع فلا يترتب عليه إلا إنقاص الالتزام إلى الحد المعقول وبذلك يتقاسم تبعته الطرفان. ومرجع هذه الأحكام منشؤها الإعذار في المذهب الحنفي والجوائح في المذهب المالكي والحنبلي مع خلاف في الأحكام في المساواة بين طرفي العقد التبادلي وفي العدالة عمومًا (١) وقد وقع في سنة ١٢٥٠ في غلة حب الزيتون عاهة وهي الدود ولا يليق عصره في معصرة ضرب الماء لأنه يفسد لون الزيت فعدل الناس إلى عصره بمعصرة السلنطي وتركوا معصرة ضرب الماء وقد كان إنسان اكترى معصرة من معاصر ضرب الماء أوائل الشتاء فوقعت العاهة بالحب فقل الواردون لمعصرة ضرب الماء فتضرر المكتري بذلك

وطلب فسخ الكراء عن نفسه كالفنادق إذا قل الواردون إليها لفتنة فهو عيب يوجب خيار المكتري ولا يلزم المسوغ أن يحط من الكراء والله أعلم (٢) وإذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلًا في العقود ينفسخ العقد من تلقاء نفسه وهذا إذا كانت الاستحالة كلية فإذا كانت جزئية انقضى ما يقابل الجزء المستحيل ومثل الاستحالة الجزئية الاستحالة الوقتية في العقود المستمرة وفي كليهما فسخ العقد بشرط علم الطرف المقابل. ويضمن المقاول ما تولد عن فعله وصنعه من ضرر أو خسارة سواء أكان بتعديه أو بتقصيره أم لا وينتفي الضمان أو الخسارة إذا نجم ذلك عن حادث لا يمكن التحرز منه.


(١) يراجع فيما يتعلق بالحوادث الطارئة غير المتوقعة: الكاساني: ٤/١٩٧ ـ ١٩٩، والهندية: ٤/٤٥٩ ـ ٤٦٢، وابن عابدين: ٥/٧٦، ومصادر الحق: ٦/٩٥ ـ ١١٨.
(٢) من لفظ الدرر فيما به العمل من مذهب دار الهجرة، لمحمد السنوسي: فصل جوامع الكراء: ص١٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>